IMLebanon

تخبّط «حزب الله» في سوريا وتخبّط اللبنانيين معه بشكل عام

حرب الاستنزاف التي يغرق بها «حزب الله« في الشمال السوري من بعد «فتوحاته« في القصير والقلمون ومرابطته في أحياء من دمشق أعيد تلوينها بهوى المتغلبين، هي حرب استنزاف لا تعني «حزب الله« لوحده بمعزل عن باقي اللبنانيين. لكن الحزب، وكعادته حيال كل ما اتصل بما هو عسكري وأمني، يعتبر نفسه في حل من أي اجماع، وفي حل من أي مناقشة للموضوع، سواء عنينا بالموضوع وضع المقاومة ومفهومها بعد التحرير، أو وضع سلاحه وموقعه من الاعراب في دولة انتهت الحرب الاهلية فيها بالاتفاق على اعادة توحيد الجيش وحل الميليشيات، أو وضع قرار الحرب والسلم ومن يأخذه وكيف، أو وضع حدودنا الوطنية وماذا يمكنها بعد أن تعنيه، طالما تعبرها الجحافل كل يوم في الذهاب، وتعبرها النعوش والأحزان في الإياب، ناهيك عن شبكة من «الاقتصاد الطرفي الموازي«، الناشئ على خلفية حرب الاستنزاف المزمنة هذه، وموجات لجوء سوري باتجاه لبنان لا يمكن أن تبقى النظرة اليها أسيرة «الأبيض والأسود«، بين انفعالية عنصرية ومكابرة مكتفية باحصاء «فوائد اللجوء«. 

الحكومة الحالية تشكّلت على قاعدة تسوية غير شعبية، تسوية قبلت فيها قوى الرابع عشر من آذار، باستثناء «القوات اللبنانية«، مساكنة الحزب في حكومة واحدة بالرغم من رفضه حتى مناقشة تورطه المتراكم والمتسع في الحرب السورية. هذه التسوية على خطورتها، وقلة شعبيتها، تمتلك عنصر معقولية أساسياً: فطالما الحزب ماض في الحرب السورية، وطالما الحزب لا يريد رئيساً للجمهورية قبل لحظة ما يتوخاها في هذه الحرب، مثلاً، فالمصلحة تقتضي عدم اعطائه مساحات اضافية للفراغ والتعطيل. في آخر عهد الرئيس ميشال سليمان، كان هناك رئيس ولم تكن هناك حكومة، وكانت صواريخ موجهة للقصر الجمهوري. فكانت التسوية، انه اذا لم يكن انتخاب الرئيس الجديد متاحاً، ولم يكن رد «حزب الله« عن سوريا وشعبها متاحاً بالسواعد والضمائر اللبنانية، فالأولى قيام حكومة في فترة الشغور الرئاسي، ولو كانت حكومة غريبة عجيبة في تكوينها ونمطها، وفي عبثية كون الفترة هي فترة فراغ «دستوري« و«لا دستوري« في وقت واحد، ذلك انه ليس هناك مطلق دستور يمكنه ان يغطي بشكل كاف فترة فراغ وشغور وتعطيل ويرشد الناس حينها ما العمل، وفي الوقت نفسه ليس هناك حالة يمكن أن يستغنى عنها عن الدستور ومرجعيته بشكل شامل وقاطع، الا باتجاه يهدّد الاستقرار المؤسسي والمجتمعي والكياني. 

اليوم نعيش تخبطاً جدياً للمنطق «الاستنزافي« عند «حزب الله«، تخبطاً جراء المكابرة على ان حزباً كبيراً في بلد صغير لا يمكنه مهما حاول أن يصير حزباً أكبر من هذا البلد في داخله، وأكبر من هذا البلد خارجه. عندما يصير متعذراً الحفاظ على عناصر قوته وشوكته بشكل مستقر ومعافى من «الثنائية القطبية« في علاقته بذاته وحلفائه الأكبر منه والأصغر وأخصامه الداخليين والخارجيين، تصير هذه العناصر نقمة عليه. وجه النقمة حالياً هو التالي: لم يعد أحد في «حزب الله«، وعلى كافة المستويات، يعرف ليس فقط «الى متى« يحارب في سوريا، بل قبل كل شيء لماذا يحارب هناك. لم يعد أحد في لبنان يمكن أن يأخذ على محمل الجد نكتة أن «داعش« سوف تستعمر لبنان ان لم يذهب «حزب الله« لاستعمار سوريا. وحتى بعد ان لبس الحزب طاقية «مكافحة الارهاب«، فان تشخيصه كارهابي ومعاقبته مالياً كارهابي قد تجذرت أكثر، بدلاً من أن يرطّب انضمامه للحلف العالمي ضد «داعش«، على طريقته التي ترى «داعش« حيثما هو غير موجود، من وضعه بشكل عام، فيقلّل من وطأة اتهامه بالارهاب وتداعياتها. 

تخبّط الحزب يعكس في الوقت نفسه التخبط اللبناني العام. طبعاً الحزب هو معمل انتاج من الطراز الاول لحالة التخبط الداخلية، ويفضلها على سواها، فلا هو مؤهل لادارة البلد لوحده، ولا هو مؤهل للنأي بنفسه عن ادارته. لكن التخبط اللبناني يستنزفه بالتوازي مع استنزاف الحزب في سوريا. ضعف أخصام الحزب لا يعطيه قوة مزيدة، خصوصاً أن أخصامه اعتادوا التعايش مع ضعفهم بازائه. 

لن ينفع اقناع الحزب بأن تفاقم حالة الاستنزاف في الداخل والخارج تجعل من مصلحته هو ايضاً تسهيل انتخاب رئيس جديد، لكن «خدمة كلفة الشغور« ستتصاعد بالنتيجة أكثر فأكثر، وكل طرف سوف يقوم بتحويلها لخصمه. 

حزب كبير في بلد صغير لا يمكنه ان يجمع بشكل مستقر بين عناصر قوته. أما كلفة خدمة الشغور الرئاسي فمرشحة للتصاعد بطبيعة الحال وكلما تحللت الحكومة أكثر، وبشكل ضاغط على الحزب أكثر من قبل، طالما أنه الحزب القابض على الاستحقاق والحائل دونه.