Site icon IMLebanon

Foie Gras وجونبون بكل فخر “صنع في لبنان”

 

لليلة رأس السنة مائدة لبنانية بنكهة فرنسية

 

 

حفل رأس السنة الذي كان يشكل ذروة الموسم السياحي الشتوي يستقطب أكبر الحفلات الفنية وتتبارى المطاعم فيه بتقديم أفخم الأطباق الفرنسية ورفع أسعارها وفقاً للـ Menu المقترح، يشهد هذا العام تراجعاً ملحوظاً سواء في الإعلانات أو في الرواد. فاللبناني مدفوعاً بالظروف، ميّال إلى الكنكنة، الجسدية والمالية، ويفضل سهرة بيتية لا تطوف فيها الطرقات ولا تغرق فيها الجيوب. لكن «الكنكنة» لن تمنعه من «الفخفخة» وملء مائدته بما لذ وطاب من أصناف فرنسية «شغل لبنان» نكاية بماكرون.

«شو عاملين ع راس السنة؟» سؤال كان يلحّ على اللبنانيين ما إن يطل كانون الأول برأسه. اليوم صارت الإجابة عنه جاهزة لا تحتاج الى تفكير طويل: السهرة في البيت. لكن لسهرة البيت أصولها وتقاليدها التي لا يستغنى عنها اللبناني الذويق ولو على حساب جيبه وأولها الـ Foie Gras وجاط الشاركوتري بكل أطايبه. وللذواقة نزف بشرى سعيدة: أصنافكم الفرنسية صارت لبنانية الهوية تنتج في لبنان بنكهة فرنسية صرفة.

 

 

 

مزرعة مار يعقوب…

 

ليس من منطقة الألزاس الفرنسية او من البيرينيه و bretagne ستتوذقون هذا العام أفضل شريحة من الـ Foie Gras بل في بلدة بشتودار البترونية التي استطاعت أن تنافس أشهر المناطق والمزارع الفرنسية في إنتاج هذا الصنف الفاخر، وصار يحق للبنان أن يدخل دائرة الدول المحدودة جداً في انتاج كبد البط. مزرعة لا توأم لها في لبنان ولا المنطقة العربية تقع في وسط قضاء البترون في دير مار يعقوب تحديداً، ومن هنا استمدت منتجاتها اسمها La ferme St Jacques. التقنيات فرنسية وكذلك صيصان البط لكن الخبرة في تربية هذا الطائر وتصنيع مشتقاته بشكل حرفي ومحترف اكتُسبت على مر السنين وصار التلميذ القابع في ريف بلد متخم بالمشاكل قادراً على منافسة اساتذته المتفرغين قلباً وقالباً للتمعن في تفاصيل الطعم واللون والقوام لصنف يعدّ مفخرة المائدة الفرنسية.

 

هي مزرعة مختصة بالبط وتنتج حوالى 22000 بطة سنوياً يستخرج منها 10 الى 11 ألف طن من كبد البط، منه النيء والمطبوخ، والعارفون في شؤون كبد البط يعرفون الفرق بين النوعين في الطعم واللون ومدة الصلاحية كما في السعر، فالأول يؤكل طازجاً بقوام غني يذوب في الفم فيما الثاني يمكن تناوله طازجاً أو حفظه في أوعية وأغلفة مختلفة لفترة معينة. تشرح السيدة ماريا شديد وهي إحدى المسؤولات في الشركة المنتجة ان المزرعة تنتج أكثر من 40 صنفاً مشتقاً من البط أبرزها كبد البط الذي يأتي بأنواع وإضافات مختلفة كأن يكون محشواً بالتين او الخوخ المجفف أو التمر أو كبد البط الكامل المطبوخ وهو كبد خالص أو البلوك ويعني كبد البط الممزوج بالماء وهو أرخص بقليل من الكبد الكامل الذي يعد أرقى الأصناف وكبد البط المدخن. هذا إضافة الى الباتيه والـ rillettes وصدر البط المسمّن Magret de canard وغيرها. ويمكن الاستفادة من كل أجزاء البط حتى من القوانص التي تتحول الى نوع من الباتيه. وبعد أن كان البط غريباً عن اللبناني نراه اليوم قد دخل بشحمه ولحمه الى مطاعمه وبعض أطباقه بوصفات فرنسية الطابع او ملبننة أحياناً.

 

 

الرقابة الذاتية

 

الشركة المنتجة حاصلة على تصنيف ISO الذي يتجدد كل عام وهذا ما يضمن سلامة وجودة المنتجات في وقت تغيب فيه بشكل شبه كامل الرقابة الرسمية. لكن تبقى الرقابة الذاتية هي الضمان والبقاء على تواصل دائم مع ليبنور والوزارات المختصة. وتؤمن مزرعة سان جاك المنتج الحلال الذي يشرف على مراقبته أحد الشيوخ وهي ميزة تمنح كبد البط طعماً صافياً مميزاً. ورغم أن انتاج كميات كبيرة لا يخلو من الصعوبات إلا أن المزرعة البترونية قادرة على تأمين الكميات الكافية للسوق اللبناني مع تصدير الى الدول العربية مثل دبي وقطر والكويت والأردن كون المنتج حلالاً.

 

قد يتبجح البعض بأن هذا الصنف لا يمكن ان يكون إلا فرنسياً لكن قد يفاجأ هؤلاء حين يعرفون أن كبار الطهاة الفرنسيين العاملين في لبنان أو حين يزورونه يستخدمون الـ foie gras اللبناني. فهل نكون ملكيين أكثر من الملك؟ ومن مميزات منتجات البط اللبنانية توافرها على مر السنة في السوبرماركات والمحلات المختصة وليس في موسم الأعياد فقط كما جرت العادة بالنسبة للمنتجات الأجنبية الفاخرة الخاصة بهذه المواسم، بأسعار تنافسية قد تصل الى 30% أقل… وإذا أردنا التطرق أكثر الى تفاصيل الأسعار نعرف أن 90 غراماً من صدر البط المدخن أي ما يعادل شرحة تباع بـ 10$. أما البلوك فله سعر خاص مناسب فـ 200 غرام منه لا يتعدى سعرها 10$ فيما يرتفع سعر الكبد الكامل الى 24,32 دولاراً لكل 200غرام فيما القوانص المطبوخة سعرها 5$ فقط بحيث يمكن لمحبي اصناف البط الرفيعة المستوى أن يجدوا النوع الذي يتناسب مع ميزانياتهم.

 

إذاً لا عذر للبناني في ليلة رأس السنة بعدم تدليل نفسه وتناول «الفوا غرا» لا سيما أن الكمية التي ينصح بها كمقبلات هي 50 الى 70 غراماً للشخص الواحد…

 

بكل فخر…

 

وبما أن موائد الأعياد لا تكتمل من دون «جاط شاركوتري» ولو على حساب القد المياس فدعونا نكمل جولتنا على المنتجات اللبنانية التي تتحدى أفخر الأصناف الفرنسية. ومن عاش في أوروبا يدرك جيداً أن بعض الأصناف التي تدعي هوية لبنانية لا ترقى الى مصاف الشاركوتري الرفيع المستوى أو أنها تحمل دمغة لبنانية لكن تصنيعها يتمّ في الخارج. جان لوي مارشا وهو من أم بولندية وأب لبناني عاش في بولندا وتذوق ما يقدمه هذا البلد من اصناف اللحوم الباردة اللذيذة وأراد بعد عودته الى لبنان أن يلقى الطعم ذاته الذي اعتاده لكنه لم يجده في اي من الأصناف التي تذوقها فقرر العودة الى بولونيا للاطلاع على أسرار صناعة الجونبون الحرفية وبعض اصناف الشاركوتري. وبعدها عاد لينشئ «محترفه» الخاص في بعبدات تحت اسم wencel.

 

يؤكد مارشا أن لا صنف في لبنان يشبه ما ينتجه على صعيد الجونبون سواء في النوعية او الطعم. فالجونبون المستورد مثلاً يحتاج ما بين طهو وتبريد وتعليب وشحن الى حوالى ستة اشهر كما تضاف إليه مواد حافظة. اما الجونبون المصنع في المحترف فيستخدم اللحم المستورد بأفضل نوعية ويباع طازجاً سواء المطبوخ منه أو الجاف. وهنا يذكر ان الجونبون المطبوخ يحتاج الى أسبوعين ليصبح جاهزاً للاستهلاك فيما الجاف يحتاج ما بين ثلاثة اشهر وسنة. ومن مميزات الجونبون المحضر حرفياً أن لا إضافات كثيرة إليه، فعدا الملح ومادة النيتريت الحافظة لا تضاف إليه سوى البهارات المحلية فيما بعض اصناف الجونبون المستورد قد تصل الإضافات فيه الى عشر مواد مختلفة.

 

لكن هل يمكن للجونبون المصنع حرفياً أن ينافس باسعاره الجونبون المستورد؟ متذوقو الجونبون الرفيع المستوى، المدخن او العادي لا يتوقفون طويلاً عند السعر فما يهمهم هو الجودة والطعم. ولا يمكن مقارنة الجونبون المحضر في المحترف بأصناف شعبية تباع في لبنان وتدعي أحياناً أنها لبنانية المنشأ، وقد يباع الكيلوغرام الواحد منها بما بين 12 و 16$. يمكن للجونبون الحرفي المصنع محلياً أن ينافس المستورد الرفيع المستوى الذي يبدأ سعره من 25$ للكيلوغرام ويرتفع تصاعدياً ليبلغ أحياناً أرقاماً لا تصدق. ويصنع مارشا في محترفه أربعة الى خمسة اصناف مختلفة من الجونبون من المجفف الى المدخن وما بينهما. والعارفون بشؤون الجونبون يقولون انه كلما تمت إراحة الجونبون النيء تحسن طعمه فجونبون De Parme مثلاً يترك ليرتاح 18 شهراً فيما الـ Prisuttu قد يبقى الى حدود 48 شهراً في الأقبية وجونبون Pata Negra الأسود الإسباني الذي يخضع لشروط قاسية في الانتاج قد يحتاج الى 24 شهراً ليرتاح و يكتسب طعمه المميز.

 

مائدة رأس السنة لا تكتمل من دون اصناف النقانق المختلفة او الـ Saucisses وتفتخر فرنسا بشكل خاص بإعداد عشرات الأصناف من هذه النقانق رغم كون هذه الأصناف تدخل في الثقافة الغذائية لمختلف الشعوب الأوروبية ومعظم شعوب العالم. وتختلف طرق تصنيع النقانق وفقاً لحشوتها ونسبة الدهون والبهارات المستخدمة فيها وغلافها. ولكن بشكل عام قد تكون الحشوة خشنة أو ناعمة من لحم الخنزير أو البقر او الطيور ويمكن للنقانق أن تكون نيئة يتم طهوها في ما بعد، أو مطهوة، او مجففة على البخار أو مدخنة وهنا تحتاج عدة أشهر لترتاح. ويتميز كل بلد بصنفه الخاص من النقانق وفق تقاليد أهله وذوقهم. لبنان معروف بـ»المقانق» التقليدية والسجق والبسترما ومن النادر أن يصنع أنواع الـ Saucisses الأوروبية.

 

لكن في محترفه يحاول جان لوي مارشا أن يكسر هذا التقليد ليصنع أنواعاً عدة من الـSausages المعروفة في أوروبا والعالم بنوعية تضاهي النوعية الأوروبية. ويقدم أصنافاً مختلفة منها الجاف أو المدخن وحتى المعتق لتشكل مع الجونبون أطيب صينية شاركوتري في كل المناسبات.

سكرة على اسمه

 

وبعد ان اكتملت مائدة رأس السنة بأشهى الأصناف التي تحمل بكل فخر شعار»صنع في لبنان» لم يعد ينقصنا إلا كأس النبيذ لنتمنى لأنفسنا وللوطن سنة ملأى بالإنجازات وتحقيق الأحلام؟ وهل أفضل من نبيذ GB الذي يختصر الأحرف الأولى لاسم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل) وهو في الواقع اختصار لاسم Great Batrouniyat لشرب نخب هذه الأمنيات؟ نخب الأحلام التي «ما خلوها» تتحول الى إنجازات؟ نبيذ يقال إنه صنع في لبنان لأهل لبنان. على أمل ألا تذهب بعده السكرة وتبقى الفكرة…