IMLebanon

اللحمة كـ«الذهب» والسمك للأغنياء فقط: ماذا نأكل في شهر رمضان؟

 

 

بدّلت الأزمة الاقتصادية كثيراً في أنماط استهلاك اللبنانيين بما يتناسب مع قدرتهم الشرائية، وأحدثت تغييراً في موائدهم. أزالت أطباقاً، واستعاضت بأخرى، وأدخلت لمساتها في المكوّنات. التغيير الكبير حصل على مستوى اللحوم (اللحمة الحمراء والدجاج والسمك) بعدما ارتفعت أسعارها بشكل جنوني. فهل ستغيب عن الموائد الرمضانية بعدما وصل فلتان سعر صرف الدولار إلى مستويات غير مسبوقة؟

 

جرت العادة أن يُستقبل شهر رمضان بخزانات ملأى بالمؤن وثلاجات تغصّ باللحوم… فـ«سفرة رمضان لا تشبه أي سفرة، الصائم لا يتقبّل المجدرة والبرغل. بعد يوم صيام طويل لا تشبعك غير اللّحوم»، رأي شائع بين الصائمين. لكن اللحمة صارت في عيون كثير من اللبنانيين الشيء الثمين الذي يُضرب به المثل كالذهب، هكذا يقارب مروان غلاء سعر علبة الدخان لصديقه قائلاً: «صارت مثل اللحمة». وينظر أبو رامي إلى قطعة اللحمة المعلقة معلِّقاً: «والله اشتهينا»، ثم يسهب في شهوته: «آخ على سيخ لحمة مشوية». وهو ما يُحرم كثر من رؤيته أو حتى شمّ رائحته. فرائحة المشاوي التي لطالما عبقت في نهاية الأسبوع وفي الأعياد والمناسبات صارت لندرتها تقودك إلى «مكان الجريمة».

 

تؤكد رانيا هذا الواقع، هي التي اعتادت أن توزّع الحصص التموينية على المحتاجين على أعتاب شهر رمضان في كل عام. هذه المرة «قابلتُ وجوهاً تغيّرت ملامحها وازدادت بؤساً وحرماناً». تبدي أسفها لكثرة ما سمعت من عبارات الشكر، ولاحظت مشاهد فرح عارم يلفّ أمهات، فقط لأنهنّ سيطعمن أولادهن اللحمة بعد انقطاع طويل.

ولا تختلف الصورة لدى زيارة ملحمة، حيث تدخل سيدة وتطلب بخجل لحمة مفرومة مقابل 25 ألف ليرة، عندما كان سعر كيلو اللحمة مليون ليرة. قبل أن يبدي اللحام موقفه الرافض، تغمزه سيدة ثانية وتهمس له من دون أن تنتبه الأولى: «اقتطع من اللحمة التي طلبتها وضعها لدى هذه السيدة، حرام، لا تكسر بخاطرها…».

 

تقشّف وتقنين

استغنت عائلات كثيرة عن اللحمة حتى في المأكولات التي تقوم عليها بشكل أساسي، وعندما تمرّرها تتقشّف في الكميّات، «من كيلو لحمة في طنجرة الفاصولياء إلى أوقية»، تشرح سهام. هكذا تكيّفت موائد اللّبنانيين مع قدرتهم الشرائية. اللحمة إن وجدت على المائدة، لا تكون في أغلب الأحيان أساس الطبق بل هي مكوّن ثانوي، تدخل في المعكرونة أو الأرز مثلاً. وتراجع استهلاك البفتاك والشاورما واللحمة بعجين… «صرنا نضع لحماً مبروشاً على صحن الكبسة، ونسبح في طنجرة الكفتة لنصل إلى قطع اللحمة»، تسخر ماجدة. «صحيح أنه لم يعد هناك شيء رخيص، لا اللبن ولا الجبن ولا الخُضر، حتى علبة التون يتعدى سعرها الـ100 ألف ليرة، لكن تبقى اللحمة أغلى بكثير». اعتادت ماجدة على تقسيم المصروف فـ«عندما أدفع على اللحوم والدجاج كثيراً أحضّر في اليوم التالي مأكولات بيتية من برغل وعدس وبيض… ويحضر الدجاج أكثر من اللحمة، أما السّمك فغائب كلياً». واستبقت شهر رمضان بأسبوعين بـ«النواشف ليتسنى لنا تناول اللحوم طيلة أيام شهر رمضان». سيكون ذلك مكلفاً، لذا تتوقع «أكل البرغل في العيد».

والدجاج صار ممنوعاً!

بعدما كانت نسرين تأكل اللحمة يومياً، وأحياناً مرتين على الغداء والعشاء، «صرت أتفادى شراء الشاورما والكفتة لأن الكيلو الواحد منهما لا يكفينا، وحتى نظلّ نحصل على مصدر البروتين أشتري اللحمة المفرومة وأعتمد على الدجاج أكثر من اللحمة الحمراء». وحالها كحال كثيرين ممن يلجأون إلى الدجاج باعتباره أوفر ثمناً.

 

اللحمة إن وُجدت لا تكون في أغلب الأحيان أساس الطبق بل هي مكوّن ثانوي فيه

 

 

لدى بائع الدجاج زحمة وضجيج لأن الأسعار تتغيّر كل لحظة، وسيتعذّر البيع لبعض الوقت، كما أخبروا الزبائن. بعد ساعة من الانتظار تنزل اللائحة الجديدة: «سعر كيلو المتبّلات يساوي 5 دولارات، والدجاج المسحب 5 دولارات ونصف دولار، والدجاج الكامل 4 دولارات، والفخاذ دولارين». فجأة، تدولرت الأسعار في يوم كان فيه سعر صرف الدولار يتغير بسرعة، فتحول المشهد إلى صدمة، وانسحاب البعض متحسرين: «حتى الدجاج صار ممنوعاً».

السمك للأغنياء

«السمك طعام الأغنياء»، تعليق يتكرّر في مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكده مسؤول المبيعات في مسمكة فادي في محلة الجناح. «تراجع المبيع إلى نحو النصف تقريباً عما كان عليه قبل الأزمة». والسبب وراء ذلك أسعار السمك المرتفعة، فكيلو الأجاج المقلي مثلاً يساوي مليوناً و300 ألف ليرة، ويعادل سمكتين، فيما أرخص ما في المسمكة هو السردين وسعره 800 ألف.