Site icon IMLebanon

التغطية على الإبادة مستمرة!

 

 

مشهد هبوط المساعدات الغذائيّة على قطاع غزة لا سيّما الأميركيّة منها مثير للشفقة، ليس للمتلقين الذين يرزحون تحت نير الجوع والعوز بفعل الحصار المفتعل الذي يُطبق على القطاع من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بل بسبب إصرار إسرائيل على تحطيم «جبروت» حليفتها الأولى والأقوى في العالم أي الولايات المتحدة.

 

يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الواقع السياسي الراهن داخل الولايات المتحدة مستفيداً من أنّ السنة الحالية هي سنة انتخابية رئاسيّة وأنّ قدرة الرئيس الأميركي جو بايدن أو غريمه المرجح الرئيس السابق دونالد ترامب على مقارعة إسرائيل و»ضبطها» شبه معدومة، حرصاً على الأصوات التي توفرها مجموعات الضغط الصهيونيّة التي تمسك بالكثير من وسائل الإعلام والأندية السياسيّة والتأثير المركز.

 

وهذا ما يجعل القوة الأولى في العالم تقف صاغرة أمام حليفتها الصغيرة وغير قادرة على «إقناعها» بفتح الحدود لتمرير المساعدات الغذائيّة والطبيّة المكدسة على الجانب المصري من معبر رفح، لا بل تراها ذهبت إلى إرتكاب مجزرة الطحين أسوة بارتكابها العديد من المجازر السابقة ولعل من أبرزها قصف المستشفى المعمداني في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

 

طالما أنّ الإدارة الأميركيّة ترتكز في أدبياتها إلى التمنيات والطلبات «الوديّة»، لن تكترث إسرائيل ولن ترتدع ليس في مسألة منع إيصال المساعدات الغذائيّة الضروريّة، بل أيضاً في قضيّة وقف إطلاق النار، ولو مؤقتاً، وإتمام صفقة تبادل الأسرى علماً أنّ الأحداث دلت بأنّه ليس ثمة مجالات حقيقيّة للإفراج عنهم بالقوة العسكريّة إنما عبر التفاوض حصراً.

 

لم تصل مواقف أركان الإدارة الأميركيّة يوماً إلى حدّ التلويح بوقف المساعدات العسكريّة أو أقله في تجميد البعض منها، ولو مؤقتاً، بما يوفر لها أداة ضغط رئيسيّة تمكّنها من أن ترتقي إلى الشعارات السياسيّة وغير السياسيّة التي لطالما رفعتها في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطيّة والتي ثبت أنّ تمسكها بها، وتكرارها لها، لا يعدو كونه مجرّد لعبة إعلاميّة تتكرر معزوفتها عند الحاجة، وتطبّق انتقائياً بحسب الموقع والمصالح والحسابات.

 

وبالحديث عن اللعبة الإعلاميّة، يستنفد نتنياهو، المأزوم في الداخل، كل ما قد يتوفر بين يديه من أدوات ليبرز نفسه أمام الرأي العام الإسرائيلي على أنه «بطل قومي» قادر على مواجهة أقوى الحلفاء، لا بل أقوى الدول على الأرض، في إطار الحفاظ على «السيادة الإسرائيليّة»، وهو ما يكرره باستمرار بنبرة من التباهي والاستعلاء وصولاً إلى حدّ «نكران الجميل»، إذا صحّ التعبير، مع حليفته واشنطن «الأم الحنون».

 

مسار العلاقات الأميركيّة – الإسرائيليّة مسار معقّد وطويل ولا يمكن إختصاره في أسطر قليلة من التحليل والقراءة، وهو تعرّض لاهتزازات عديدة في مراحل تاريخيّة سابقة إلا أنّه لم يصل يوماً إلى مرحلة من التأزم يمكن القول من خلالها إنّ ثمة إعادة نظر جذريّة قد تحصل على المستوى الأميركي أقله ليس في المدى المنظور.

 

واشنطن هي الوحيدة التي تستطيع الضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعيّة في قطاع غزة، فهي التي توفر لها الدعم السياسي والعسكري، وهي التي تؤمن لها الغطاء في مجلس الأمن الدولي باستعمال حق النقض (الفيتو) عند كل منعطف وفي كل محطة، وهي التي تتستر على أعمالها وتقود مسار الدعم الغربي لها على مختلف المستويات.

 

أما آن أوان طرح السؤال المركزي: إلى متى ستبقى إسرائيل «حاجة استراتيجيّة» للولايات المتحدة؟