تشارك المسلمون والمسيحيون هذا العام زمن الصوم المبارك، تمهيداً للاحتفال بعيدَي الفطر والفصح… ولكنّهم، الى جانب طقوس الصوم التقليدية، تشاركوا أيضاً المعاناة من “الغلاء الفاحش” الذي طال المواد الغذائية والسلع الأساسية، في ظلّ فوضى الأسعار التي لم تردعها جولات التفتيش، وما رافقها من إجراءات بحقّ المخالفين، تراوحت بين تسطير محاضر ضبط وختم بعض المؤسسات بالشمع الأحمر.
“تجار الأزمات”
وتعليقاً على جشع بعض التجّار، أشار المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر، عبر “نداء الوطن”، إلى أنّ “الأمور تتغيّر بحسب المواسم. ففي شهر رمضان، أساس السلة الغذائية يكمن بالحبوب والخضار بالمرتبة الأولى، أما في المرتبة الثانية فتأتي اللحوم والدجاج”.
وتابع: “اليوم في هذه الفترة هناك تأثيرات خارجية في موضوع الأسعار. وهذا الموضوع تابعناه قبل شهر من رمضان، مع المستوردين، وتبيّن لنا أن بعض الشحنات التي تأتي من البحر الأحمر، وقد غيّرت مسارها، ارتفع سعر شحنها ممّا رفع تكلفتها لأكثر من 7%، وراقبنا السوق اللبناني على هذا الأساس”.
أضاف: “تبيّن لنا خلال الجولات الأخيرة أن الأسعار ارتفعت بشكل أكبر من النسبة المتوقعة. وهذا ما ألزمنا بتسطير محاضر ضبط بحق السوبرماركات المخالفة. والمشكلة الأكبر كانت في محلات بيع الفاكهة والخضار والتي يتعلّق عملها بشقّ العرض والطلب وخصوصاً في بعض المناطق الجنوبية والتي شهدت ارتفاعاً غير مبرّر لأسعار بعض الخضار، وذلك نتيجة تعثّر سلسلة الإمدادات، كما أنّ بعض الموردين لم يوزّعوا بضائع الى الجنوب اللبناني ممّا يزيد الطلب بشكل كبير جداً مع تقليص العرض، وهناك بعض تجّار الأزمات الذين يحاولون في الشهر الفضيل تحصيل أرباح غير مشروعة فتمّ تسطير محاضر ضبط بحقّهم”.
وأردف: “مؤخّراً تمّت معالجة بعض الأمور المتعلّقة بسلامة المنتج، فيوم أمس الخميس تمّ تسطير عدد من محاضر الضبط بحقّ محلات للحلويات والعصائر الطبيعية، حيث كانت المنتجات غير مطابقة للمواصفات الغذائية المطلوبة، لذلك أخذنا عيّنات من عدد كبير من الأماكن وتمّ إرسالها الى المختبرات المعنيّة لإجراء الفحوصات اللازمة، بغرض المحافظة على جودة المنتج وصحة المواطن، بالتوازي مع مراقبة الأسعار بالاستناد الى القدرة الشرائية للمواطن والتي انخفضت بشكل ملحوظ”.
واستطرد ابو حيدر: “طالما لبنان يستورد 80% من حاجات المواطن اليوميّة، يعني بات الاقتصاد اللبناني بشكل أو بآخر مدولراً، وأي تعثر بسعر الصرف يقلّص من القدرة الشرائيّة، واليوم معدل التضخم عالٍ جداً مقارنةً مع ما قبل الأزمة عام 2019، والدولار ارتفع لنسبة فاقت الـ60 مرّة ويقابله ارتفاع وتضخم بأسعار السلع، والقدرة الشرائية سابقاً لم تعد نفسها اليوم”.
أضاف: “نحاول قدر المستطاع أن نكون موجودين الى جانب الشعب في شهر الأعياد، وفي الأشهر الأخرى، لكي نحسّن بالمقدار المقبول القدرة الشرائية من خلال عدم السماح بتفلّت الأسعار”.
وكشف ابو حيدر أنه “مع زمن الصوم لدى المسيحيين، يزداد الطلب على الخضار، كذلك الأمر في شهر رمضان يرتفع الطلب على منتجات دون الأخرى، وهذا الأمر نعمل جاهدين عليه لضبط الأسعار، وهذا ما يتولاّه مراقبو وزارة الاقتصاد والتجارة”.
وتابع: “المحاضر التي تحرّر والتي تحال الى القضاء المختص من قبل حماية المستهلك، نأمل أن تأخذ التدابير القانونية مجراها في التعديلات التي طلبت في لجنة الاقتصاد النيابيّة لتصبح العقوبة رادعاً أمام جشع بعض التجار”.
أضاف: “عندما تكون العقوبة رادعة يعمل التاجر ألف حساب قبل أن يخالف، أما عندما تكون العقوبة، مقارنة مع المخالفة، أقل من الربح المحصل بطريقة غير مشروعة، تكون العقوبة من دون جدوى. وعلى هذا الأساس طلبنا أن يكون الرادع بالإقفال أو الختم بالشمع الأحمر ليكون عبرة، مع جواز التشهير، كون القانون الحالي يمنع التشهير بهويات المخالفين، وذلك بالتنسيق مع القضاء المختص”.
وختم: “ملتزمون بعدم التشهير، وهذا ما ينصح به القانون الحالي، لكننا طالبنا ببعض المقترحات باللجنة الاقتصادية وتم العمل عليها، والمفترض أن تُبَلَّغ الناس أن هذا المحل مثلاً كان يحتوي على لحوم غير مطابقة للمواصفات، لكي لا يستسهل التاجر بنوعية منتجاته”.
نبض السوق لم يكن جيّداً
أما رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني البحصلي فاعتبر في حديث لـ “نداء الوطن” أن “نبض السوق بين الصوم المسيحي ورمضان لم يكن جيداً”.
وتابع البحصلي: “كمستوردين شعرنا أن المبيع خلال فترة رمضان لم يكن كبيراً، وهذا بالاستناد الى نبض السوق”.
أضاف: “كل سنة قبل رمضان لا نعرف كمستوردين ما هي متطلبات السوق وكيف ستكون حال السوق والاستهلاك، ونطلب كمية من البضائع، وحسب الاستهلاك إمّا يتم بيع المخزون أو يبقى في المخازن لما بعد عيد الفطر، والصورة تتضح بعد أول 15 يوماً من الشهر الفضيل، لأنه في منتصف الشهر، لا يشتري التاجر مجدداً مواد مستوردة إنما يعمل جاهداً لتصريف المواد الموجودة في محلّه”.
وأردف: “موسم شهر الأعياد مقبول على الرغم من التعويل الكبير عليه بين عيدَي الفصح والفطر، وبطبيعة الحال في رمضان تزداد نسبة الاستهلاك، وللفصح منتجات مستوردة خاصة، كبيض الشوكولا، ومجسّمات الأرانب بالشوكولا”.
ويقول البحصلي: “بالأرقام لا تزال الأمور دون التوقعات، ولا ننتظر أي تعديل في حركة السوق في الفترة المتبقية من الصوم قبل عيد الفطر”.
وتابع: “في رمضان يستورد الجلاب والتمور والتين من الخارج وركيزة سُفرة رمضان تكمن بالبضائع الفريش غير المستوردة من الخارج كالخضار واللحمة والفاكهة والحلويات”.
وختم: “بعض الأشخاص والجمعيات تهيّئ الحصص الرمضانية خلال هذا الشهر وهذا الأمر يساهم بتحريك سوق الاستيراد من الأرز والحبوب والمعلبات وبعض المنتجات المستوردة”.
بعض المنتجات المستوردة مقطوعة ومنتجات غير معروفة تغزو السوق
وفي جولة ميدانية أمام عدد من السوبرماركت، للوقوف عند معاناة اللبنانيين، استطلعت “نداء الوطن” آراء بعض المواطنين بشأن أسعار المنتجات الغذائية والسلع التجارية.
المواطنة جنى سلّوم قالت: “اشتريت أغراضاً للمنزل من لحوم الى مسحوق غسيل ومعلّبات وغيرها، والأسعار مرتفعة جدّاً للأسف. وهي دوماً الى ارتفاع بالدولار وليس بالليرة اللبنانيّة، وهذا الأمر كارثي ولا بمرّر له”.
وعن الاستعداد لعيد الفصح، خصوصاً تحضير معمول العيد، أجابت سلّوم: “خلّينا ناكل بالأول قبل ما نحضّر للعيد”.
واستطردت: “هناك الكثير من السلع التي حرمنا من شرائها واستهلاكها نتيجة الغلاء وأيضاً نتيجة غيابها من الأسواق اللبنانية وهناك عدد كبير من الأجبان والـSauces على سبيل المثال لا الحصر توقّفنا عن استهلاكها وقد عمد بعض التعاونيات إلى استبدالها بمنتجات أخرى جديدة غير معلومة المصدر”.
وختمت: “أسعار الزبدة والسمنة الى ارتفاع، والخيار لدى المستهلك، إما يشتري المنتج الأغلى ليحصل على الجودة المطلوبة في ما خص المعمول أم يلجأ الى المنتجات الرخيصة وذات الجودة المتدنية”.
تمنيات بتحسّن الأوضاع المعيشية وعودة البحبوحة الى لبنان
أما المواطنة رنى الدعبول فقالت: “بتنا ندخل الى التعاونية لشراء حاجاتنا الضروريّة حصراً وهي الأساسيات الى حين الانتهاء من هذه الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة، ولم يعد بإمكاننا شراء كل ما نتمناه”.
وتابعت: “سابقاً كنت أصطحب أطفالي معي الى الـSupermarket، لكن اليوم الظرف لم يعد يسمح، كون الطفل يستحلي الكثير من الحلويات الموضوعة على الرفوف، والتي لم يعد بوسعنا شراءها، لأنّنا مجبرون على ابتياع الأساسيات بدلاً من الكماليات”.
أضافت: “نأمل خيراً في الأيام المقبلة، بحيث نعوّل على السيّاح والمغتربين لتحريك الركود المالي الحاصل”، متمنيةً أن “تتحسن الأوضاع المعيشية بعودة البحبوحة الى لبنان”.
وعن أسعار المواد الأولية لإعداد معمول الفصح قالت: “الأسعار نور ونار”، مشيرة الى أنّ الأسعار ارتفعت “بشكل جنوني وتدريجي في الأيام القليلة الماضية في ما خصّ السكر والزبدة والسميد والسمنة وماء الزهر وماء الورد، وأعتقد أن التجار يستغلون هذه المناسبات لرفع الأسعار”.
لا مانغا ولا أفوكا فقط ليمون وتفاح
بدوره يشكو المواطن نجيب الحسن من أن “اسعار الحشائش والخضار ليست مرتفعة في رمضان، بينما ارتفع سعر الدجاج بشكلٍ قياسيّ، فبات الكيلو بـ 400 ألف ليرة، وكيلو الدجاج المسحّب فاق الـ650 ألف ليرة، أما كيلو الجوانح فوصل إلى 250 ألف ليرة وهذه الأسعار لم تكن كذلك قبل شهر رمضان المبارك”.
ولفت الى أن “فترة الأعياد أثّرت كثيراً على الأسعار في التعاونيات، وهناك غلاء فاحش في بعضها. فمثلاً لم أعد أشتري المكسرات كما سابقاً، لإضافتها على الجلاب، كما أنّ السفرة الرمضانية تبدّلت بالمجمل نتيجة الأسعار المرتفعة وغير المنطقية، حيث بتنا نشتري الأمور الضرورية. أصبحنا نبتاع التفاح والليمون والموز، ونبتعد عن شراء الأفوكا والمانغا لأن أسعارها بحاجة لميزانية أخرى”.
وختم: “سلة الفريز مثلاً يكون سعرها صباحاً 150 ألف ليرة أما مساءً فيكون 75 ألف ليرة فأشتري الفاكهة مساءً”.
إذا، كما جرت العادة، يبقى المواطن الحلقة الأضعف دائماً أمام جشع بعض التجار، والتعويل كبير على الجهات الرقابية من خلال استمرارها في أداء دورها، على أمل البدء بإصدار “لائحة سوداء” أسبوعية بأسماء التجّار المخالفين كي يصبحوا عبرة… لمن لم يعتبر حتى الآن.