جنّت الأسعار و”ضربت أطنابها” مع بدء شهر رمضان، لتتخطّى الخيال والمنطق في كنف حكومة يغمرها الفشل والتلطّي خلف سلطة فاسدة، فبدلاً من أن تتحرّك وزارة الاقتصاد المفترض انها الشرطي والحارس على المال العام ولقمة المواطن، لردع ابتزاز التجار بتحديد الأرباح والنسب ضمن روزنامة واضحة، دخلت “الكوما”، وأصبحت تتصرّف خبط عشواء، لا تميز بين ما هو من انتاج وطني لا يخضع “لسياسة الدولرة”، إن في الخضار والفاكهة، أو الحبوب والمواد الغذائية واللحوم على أنواعها، على قاعدة أنّ جميعها مدعومة ضمن سعر صرف محدّد حسب كل صنف، بما لا يعطي مبرّراً لا لتاجر الجملة، ولا للسوبرماركات والدكاكين وبسطات الخضار والملاحم ومحال لحوم الدواجن لأن يستبيحوا وجع الناس وحاجاتهم، كي لا توضع رقاب الناس على مقصلة الغلاء الفاحش.
فلا يكفي المواطن ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ أن وصل سعر صرف الدولار الى 15 ألف ليرة مدة ساعتين، ليرفع التجار الاسعار على سعر صرف 17 الف ليرة للدولار، وحتى بعدما تراجع الى 10500 ليرة، استمر السعر على ما هو عليه، والأنكى انه كلما ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء يرفعون الاسعار مجدّداً.
وانعكس الامر على اسعار لحوم المواشي والدواجن، فوصل سعر كيلو الدجاج الى 23 ألف ليرة، عشية الإعلان عن ثبوت بدء شهر رمضان يوم الثلثاء مع انقطاع لحوم الابقار بسبب عدم تسليم التجّار الى القصابين الابقار والاغنام المدعومة.
حتى البطاطا والتي تُعتبر بالنسبة للعائلات الكبيرة والمتوسطة ولذوي الدخل المحدود “لحمة الفقير”، وصل سعر الكيلو منها في سهل البقاع حيث مقلعها وانتاجها الى ستة آلاف ليرة، فيما كان قبل الازمة بـ750 ليرة، وهذا الأمر لا يحتاج سوى للقول إنّ اللبناني يعيش في غابة “كل مين ايدو الو”.
تجري حليمة، زوجة جندي في الجيش اللبناني، عملية حسابية لكلفة جاط الفتوش اليومي لأسرتها المؤلّفة من ستة أشخاص، موازاة مع راتبه الشهري البالغ مليوناً و450 الف ليرة، الذي لم يتغيّر بالرغم من مضاعفة الأسعار عشر مرات عما كانت عليه، فتقول: “الخسة بـ2000 ليرة وربطة النعنع بـ1500 ليرة، والبقلة وكذلك الزعتر والفجل، وكيلو البندورة بـ5000 ليرة، وكيلو الخيار بـ6000 ليرة وخل وزيت وسماق وملح وحامض… بـ4000 ليرة، يعني بـ 23 ألف ليرة. وتضيف أنها بحال استغنت عن الشوربة لارتفاع اسعار الحبوب والخضار، بالبطاطا المقلية بهدف التوفير كل يوم كيلو بطاطا ردش بـ5000 ليرة (اي البطاطا التي يتم تعفيرها بعد عملية القلع لان كيلو البطاطا السبونطية بـ6500 ليرة)
لا يعرف عمران الحاج كيف يمكن أن يؤمّن قوت عائلته براتبه الشهري البالغ مليون ليرة ولا يزال يتقاضاه مقابل عمله في احد المعامل البقاعية، ويقول:”بدل الدعم اللي عم يروح تهريب وسرقة يرفعوا الرواتب ويدعموا المواطن مباشرة لأنّ التجار عم يسرقونا”، يردف بتأفّف: “انا مستأجر بيت بـ400 ألف ليرة، أكل بس بدنا بمليونين ليرة اقل تقدير، يعني عايشين بالدين”.
ويؤكد نقيب مزارعي البطاطا في لبنان جورج الصقر أن سبب ارتفاع السعر هو أنّ البطاطا البقاعية لم تقلّع بعد، ويقول: “الكلفة مرتفعة ولا يمكن ان تبقى الأسعار على ما هي عليه مقارنة مع سعرها قبل الازمة”، ويعتبر أن “الدولة اخفقت في رفع الدعم عن المزارع فيما لا يزال التجار هم الوحيدون المستفيدون”، ويوضح أنّ “اسعار البطاطا والخضار ستتراجع في النصف الاخير من شهر نيسان، فقلع البطاطا يبدأ في 25 نيسان”.
من جهته، رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي، يعتبر أنّ سعر الـ3 آلاف ليرة لكيلو البطاطا هو سعر يقارب كلفة الفلاح، وارتفاع سعر البطاطا حالياً لانها مستوردة، وبالتالي يكون هذا سعره، وانخفاضه يحصل عندما يقلع مزارعو البطاطا في البقاع محصولهم”، ويضيف: “تاريخياً الناس ما بتشبع خضار، الا لما يتم قلع وقطف الانتاج البقاعي، هذه اصبحت ثابتة”، والمشكلة ليست عند المزارع، لا يمكن ان تستمر هذه السلطة بالتعدّي على حقوق المزارعين وكلفتهم، يجب على الحكومة رفع القيمة الشرائية للمستهلك، أي يجب رفع الرواتب، فلا يعقل الاستمرار بهذه الآلية. فبسبب هذه السياسة وهذه السلطة لم يتبقّ من المزارعين سوى 50%، يكفي أنّ اموالهم في البنوك محجوزة، عدا عن ان هذا القطاع في ظلّ سياسة كهذه لا يحصد سوى الخسائر”.