يُتحف الزمن اللبناني الحديث مريديه بغرائبه ومفارقاته، وأبرز ذلك هو الزعم الذي يشبه التزوير، وهذا الذي يعني من ضمن معانيه الآسرة، أن يدّعي نذل رفعة حال، ووقح صلة بالأدب. وأن يقدّم ساقط محاضرة في العلوّ، ويرطن حقير بمعاني الكرامة. ويتطاول موتور على حوافي الاعتدال. وأن يرمي حاقد بما فيه على غيره، وأن يُعيّر الوسخ الآخرين بالنظافة، وان ينتعل (في رأسه) زبالة ويسميّها فكراً ورأياً وصحافة..!
وأبرز ما في ذلك الزعم هو انتحال الصفة. كأن يدّعي ربيب العسس ونديم الجلاوزة انه ربيب قلم. وأن يقدم منظّر القتلة والفاتكين بياناً بالأنسنة ومكارم الأخلاق. وأن يتحدث بوق الطغاة وأرباب الإجرام وأساطين الإرهاب عن صنوف احترام الموت وطقوس حفظ المقامات والأخذ باللياقات. وأن يدّعي الموبوء بعقد اللحاق بالكبار إلى قبورهم أنه قيّم على معاني النبل وشيم الكرام في الخصام.. وأن يذيع المزوّر والكذاب والفتنوي بياناً بالحقائق والبيّنات الساطعات، وأن يعود ذلك المعتوه إلى عادته الأصيلة فيعمم الأمراض التي فيه على الآخرين ويذمّهم بخصاله! وأن يموّه الخنجر بالقلم والنذالة والسفاهة برفعة الشعار!
.. وأبرز ما في ذلك الزعم هو أن يدافع ذلك الحقود عن الذي فتك بسوريا ودمّرها وأحرقها وألحق بأهلها نكبات يشيب لها الولدان، ثم يبخّ في المقابل سمومه على «مشروع» رفيق الحريري في لبنان! وعلى سعد الحريري وكل السياديين والاستقلاليين والأحرار الذين لم يحرقوا إلاّ الشموع لمحو ظلام أسياده وأربابه وعتم طغيانهم وإجرامهم وسرقاتهم وموبقاتهم وخزيهم والعار..
ذلك البرغي الصدئ في ماكينة التزوير الممانعة، لا يفعل إلّا إهانة الكلمة وصنعتها وحرفتها.. ولا يفعل إلّا شرشحة هذه المهنة النبيلة وإحالتها عدّة للطغيان وممسحة للغوغاء ومطيّة للانحطاط.. ولا يفعل إلاّ فعل الأفعى التي تسعى في كومة ورد فتحيلها يباساً أصفر.. ولا يفعل إلاّ أن يدفع بالكرام الى مصاف اللئام كي يستقيم المقام ويسهل معه وضع جزمة اضافية في رقبته، طالما ان السمّ الذي فيه يكفيه!
الخسيس.. وهذه بالتأكيد، صفة لا يمكن اتهامه بانتحالها!