Site icon IMLebanon

السّفيه و«السّجن»

 

ما أصدق أبو الطيّب المتنبي حين قال: «ومكايد السُّفهاء واقعةٌ بهم»، ما شاهدناه من سفاهة مقزّزة مسّت بالأعراض والكرامات إلى أبعد الحدود من  المدعو وئام وهّاب ستودي به ـ إن شاء الله ـ إلى السّجن في وقت قريب، وهذا هو المكان الطبيعي لأمثاله، والمطلوب مقاضاته بشجاعة ليكون عبرة لأمثاله وهم كثر في زمن رويبضات السياسة!

 

لا أحد يستطيع أن يجاري وئام وهاب في السفاهة، والمطلوب الأخذ في الاعتبار كلّ الحكمة والحكماء الذين أوصوا بعدم الردّ على السفيه، فقد أورثنا السّلف موقفاً حازماً في أمر السفيه «السّفيه إكتفيه»، وتركوا لنا ميراثاً طويلاً عريضاً في كيفيّة التعامل مع السّفيه وعن خبرة وتجربة، أمثال وئام وهّاب جبناء في سفاهتهم، ولا يُتعامل معهم إلا بمقاضاتهم وإنزال أشد العقوبة بهم، وسوى ذلك، كان أجدى لو شاهدنا يافطات تعلّم النّاس حكمة التعامل مع «سفيه» لا يُبارى في سفاهته!

 

ومن الحكمة تأمّل ما أنشده الشاعر محمود الورّاق:

 

«رَجَعْتُ عَلَى السَّفِيْهِ بِفَضْلِ حِلْمٍ/ وَكَانَ الْفِعْلُ عَنْهُ لَهُ لِجَاما/ وَظَنَّ بِيَ السَّفَاهَ فَلَمْ يَجِدْنِي/ أُسَافِهُهُ وَقُلْتُ لَهُ سَلاَمَا!/ فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيْلاً/ وَقَدْ كَسَبَ الْمَذَمَّةَ وَالْمَلامَا/ وَفَضْلُ الْحِلْمِ أَبْلَغُ فِي سَفِيْهٍ/ وَأَحْرَى أَنْ يَنَالَ بِهِ انْتِقَامَا».

ومن الحكمة أيضاً التأمّل في حكمة الشاعر: «فكن كأنك لم تسمع ولم يقل/ فإنا وما تلقي لنا إن هجوتنا/ لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق»، وفهم حكمة ما قاله أبو الأسود الدؤلي: «وإذا جريتَ مع السفيه كما جرى/ فكلاكما في جريه مذمومُ»، ويقول المتنبي بيتًا فيه دلالة على خطورة السفهاء، ويذكر بقتل أناس أبرياء بسببهم خطأ أو عمدًا: «وجُرْم جَرَّهُ سفهاءُ قوم/ فَحَلَّ بغير جارمه العقابُ»، وتقتضي الحكمة في محاسبة وئام وهاب أمام القضاء والابتعاد عن الرّغبات الشريرة التي تريد إشعال البلد بلسانه الخبيث!

 

من الحكمة التعامل مع سفاهة وهاب وما قاله برجاحة عقل وعلم وفهم وفقه الإمام الشافعيّ «قالوا سكتّ وقد خوصمتَ قلتُ/ لهم إن الجوابَ لباب الشرِّ مفتاحُ/ والصمتُ عن جاهلٍ او أحمقٍ شرفٌ/ وفيه أيضا لصون العرض إصلاحُ/ أما ترى الأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ/ والكلبُ يخسى لعمري وهو نبّاحُ».

 

وجواب هذا «اللئيم» و»الخبيث» وما صدر عنه من سفاهة مسبّة الأم والأب والمسّ بعرضهما تجد جوابها في قول الإمام الشافعي: «قل بما شئت في مسبة عرضي/ فسكوتي عن اللئيم جواب/ ما أنا عادم الجواب ولكن/ ما من الأسد أن تجيب الكلاب»، قال الإمام الشافعي الكثير في السفيه وسفاهته ومسبّته العرض، وهذا يوضح أنّ هذا الإمام الجليل تعرّض له السّفهاء بالقول وأنّه وهو صاحب المذهب الفقهيّ الجليل عن الردّ عليهم والخوض معهم، ومن أجمل ما قاله في جواب السفيه: «إذا نطق السفيه فلا تجبه/ فخيرٌ من إجابته السكوتُ/ فإن كلمته فرَّجْتَ عنه/ وإن خلَّيْتَهُ كمداً يموتُ».

 

والسكوت عن «السّفيه» هو الحلّ الأمثل، وأيضاً بحسب الإمام الشافعي: «سكتُّ عن السفيه فظنّ أنّي/ عييتُ عن الجواب وما عييتُ/ ولكني اكتسيت بثوب حلم/ وجنبت السّفاهة ما حييتُ»، أو كما علّم تلامذته والمؤتمّين به وهو الإمام الجليل: «أعرض عن الجاهل السفيه/ فكلّ ما قاله فهو فيه/ فلا يضر نهر الفرات يوماً/ إذا خاض بعض الكلاب فيه».