IMLebanon

رِجْلٌ على رِجْل

 

جلس المسؤول أمام الكاميرا و»عينه في عينه» وخاطب المواطن عبر الشاشة: ليس هناك ما يستدعي القلق، أساساً لم نفكّر في تخفيض الرواتب التي تحت سقف المليون ليرة، ولا تحت المليونين، ليس هناك داعٍ لحال القلق التي تنتاب المواطن اللبناني، نحن نحسبها «عآخر بارة» ونعرف الأعباء التي يتحمّلها المواطن وما يترتّب عليه شهرياً من التزامات، «فنجر» المواطن عينيه وحدّق في صورة المسؤول وهزّ رأسه بأسى، هؤلاء لا يعرفون الحساب حتى، ويتملّقون اللبناني عندما يوهمونه أنّهم يشعرون بالأعباء الملقاة على عاتقه، ماذا يعرف هؤلاء عن معيشة اللبناني حتى يلقون مواعظ الطمأنة عن أصفار الرواتب؟!

 

يخفي المواطن صوت التلفاز والمسؤول معاً، يمسك بورقة وقلم ويبدأ بتسجيل الأرقام، 500 دولار بدل إيجار المنزل (خارج بيروت وضواحيها)، 100 دولار إشتراك كهرباء، 200 دولار أوتوكار مدرسة (ولديْن)،50 دولاراً مصروف المبنى، 50 دولاراً مياه شرب، فاتورة تلفون 100 دولار، 100 دولار بنزين سيارة، ثمانمائة ألف ليرة القسط الشهري من قسط المدرسة (ولدين)، هذه مليونان وأربعمائة وخمسين ألف ليرة، وفي أقصى حالات التقشّف نحتاج خمسمئة ألف ليرة مصاريف طعام وشراب لعائلة مؤلفة من أب وأم وولديْن، وصلت الفاتورة إلى ثلاثة ملايين ليرة، ولم نشترِ بعد الدواء ولم نحسب طوارىء المرض، هزّ المواطن رأسه بغضب عندما تذكّر أن راتبه بالكاد يلامس مليون ونصف المليون ليرة، وأنّه يعيش باللطف الإلهي في هذا البلد!

 

كان وجه المسؤول لا يزال يحتل الشاشة عاود المواطن رفع الصوت وكان المسؤول الذي يملك بضعة قصور وعشرات العقارات وطائرة خاصة ويقال أيضاً مليار وبضعة مئات ملايين الدولارات نجح في توفيرها كلّها من راتبه خلال عقد من الزمن عمل فيه وزيراً، يحذّر المواطنين بعدما وضع رِجْلاً على رجل، إمّا تخفيض الرواتب أو لن يكون هناك رواتب، همهم المواطن مردّداً مثلاً شعبيّاً «قدّ القرد ما مسخو ربّو»!

 

نادى المواطن على زوجته وولديْه، تكوّمت العائلة لتسمع ما سيقوله رأسُها، حدّق قليلاً في الفراغ وأخذ نفساً عميقاً وقال: شو رأيكن نعملا لاجئين سوريّين؟ أصيبت العائلة بصدمة!! «إيه.. إيه.. متل ما عم تسمعوا»، منترك هالبيت منستأجر أوضة وأهمّ شي منسجّل عالأمم (المتحدة) بالأوّل، بيطعموكن وبيعلموكن ومنجبلنا 4 أو 5 ولاد فوقكن، الأمم بتدفع عالراس، وبلا هالصيت العاطل إنّي مواطن لبناني!!

 

سألت الزوجة زوجها، المواطن اللبناني، إن كان قد تناول حبّة دواء الإكتئاب وحبّة دواء الأعصاب، وحبّة دواء الضغط، وحبّة دواء السكّري، وحبّة دواء تسييل الجلطات، «خبط» المواطن على رأسه تذكّر أنّه نسي أن يسجل فاتورة الدواء على ورقة حساب تكاليف مصاريف المعيشة الشهرية قبل أن تخصم الدولة من راتبه ما تيسّر لتسدّ عجز مزاريب «ما نهبه السياسيّون»!

 

استمر المسؤول السياسي في وضع رجلٍ على رجل ومخاطبة المواطن اللبناني عن الانهيار الذي ينتظر الدولة والشعب في حال لم تتخذ هذه الإجراءات الموجعة، وشدّد المسؤول على كلمة «موجعة»، وأن على المواطن أن يتحمّل هذه الأوجاع لما فيه مصلحته، مهما كانت مؤلمة، التفت الولديْن خائفيْن نحو الأب المذهول وقالا له: «بابا.. يعني بدكن تحطولنا تحميلة؟».. تأمّل المواطن اللبناني عيون طفليه وقال لهما: «أكبر شوي يا بابا»!!