يتساءل غالية اللبنانيين الى متى سيبقى تشكيل الحكومة العتيدة يدور في حلقة مفرغة من التوقعات والحسابات والتحليلات؟ والى متى سيبقى اللبنانيون ينؤون بأنفسهم عن هذه المسؤولية وهم يعانون ما يعانون من أزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية وغير ذلك، وقد افضت الانتخابات النيابية الاخيرة، بعد اجازة قسرية لتسع سنوات، الى ما افضت اليه من نتائج، على رغم الملاحظات العديدة على قانون الانتخابات الذي اعتمد، ولم يكن سوى نسخة منقحة عن «الارثوذكسي» مكرساً الطائفية والمذهبية في البلد؟! وهي انتخابات أفضت نتائجها الى تناقضات حلّت بكامل ثقلها في وجه تأليف الحكومة، الامر الذي يؤكد ان النظام في لبنان لا يحتمل «الديموقراطي» ولا «أكثرية» و»أقلية»؟!
صحيح ان عمر التشكيل لم يتجاوز الخطوط الحمر، وهو لم يبلغ الشهرين بعد، ولم يخرج عن سياق ما واجهته حكومات سابقة، إلا أن ما يواجهه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري غير مسبوق من تعقيدات يتداخل فيها الداخل مع الخارج وهو الذي حصل على ثقة 111 نائباً من بينهم أولئك الذين يضعون العصي في الدواليب ويعرقلون ولادة الحكومة وهم متمسكون بحساباتهم ومصالحهم ومطالبهم «ولو كره الكارهون»؟ وليس هناك من صيغة موحدة ومعيار واحد يعتمد في تحديد «الحصص»؟
تتراكم النصائح الخارجية، ولبنان على باب الشهر الثاني من التكليف، وليس في المعطيات المتوافرة ما يؤشر الى ان ولادة الحكومة باتت «قاب قوسين او ادنى والرئيس المكلف معتصم بالصمت يواصل مساعيه على خط فكفكة العقد وازالة العراقيل والعقبات، وقد كان لافتاً في هذا – وخلافاً لقناعة عديدين من القيادات السياسية اللبنانية التي تؤكد «ان المصالح الخارجية تلعب دوراً أساسياً في التلقي وراء العناوين الداخلية لعقد تأليف الحكومة – ما نقل عن لسان السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، لجهة أنه «لا يرى أي عراقيل اقليمية تحول دون تأليف الحكومة اللبنانية» لافتاً الى أن «هناك أكثرية جديدة أفرزتها الانتخابات والحكومة يجب ان تتألف انطلاقاً من هنا (من الاكثرية) ولا أرى ما يستدعي الانتظار، وهذا مؤسف.»؟! وهي دعوة، من الناحية النظرية، بالغة الأهمية، وتعبر عن جوهر الديموقراطية المعتمدة، حيث تمسك الاكثرية بالقرار، والاقلية تراقب وتسأل وتحساب، وهذا في لبنان متسحيل، او شبه مستحيل..؟! وقد اتفق الافرقاء المعنيون، على تشكيل «حكومة وحدة وطنية تستوعب الجميع، ولا تستثني أحداً»؟
يتضح من خلال ما يتسرب من صيغ للحكومة العتيدة، ان الرئيس المكلف (الذي يصر على أنه «لن يستقيل») يواجه جملة عقبات وصعوبات، بعضها ناتج عن «قراءة نقدية» لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لما آلت اليه الصلاحيات بعد «اتفاق الطائف»، وهي مسألة في رأي عديدين، على أهميتها، تزيد الامور تعقيداً، وهي خارج التداول لأن الظروف لا تسمح باعادة قراءة الطائف. ولا بد من التوافق على مؤتمر عام للنظر بهذه المسألة كما وبغيرها.. كما وأنها، أي «الظروف» التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، تحتم «تأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن للمباشرة بالاصلاحات المطلوبة..» ولتجنيب لبنان تداعيات «الثنائيات» وسياسة «الاقصاء» التي يعتمدها البعض، ولبنان، على ما هو معروف متعدد الطوائف والمذاهب، وكل طائفة وكل مذهب منقسمة على نفسها كما هو حاصل في «المارونية السياسية» والدرزية و»السنية».
يدعو البعض الى ان يكون التشكيل «وفق المعايير الدستورية والميثاقية» لكن الاجتهادات هنا تتعدد وتتنوع.. الامر الذي دعا آخرين مناشدة رئيس الحكومة الى «أن يعي مسؤولياته وان يقوم بمبادرة تقديم صيغة حكومته الى رئيس الجمهورية، ليبنى على الشيء مقتضاه.. وهو الذي توفرت لديه كامل المعطيات، الممكن منها والصعب والمستحيل.
يرى البعض ان مسؤولية تأليف الحكومة هي في عهدة الرئيس المكلف، كما وفي عهدة رئيس الجمهورية.. ويرى آخرون ان الحل هو في يد رئيس الحكومة «الذي لديه كل الطلبات والمخارج المطروحة..» ولا بد من ان يتوجه الى القصر الجمهوري لوضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جو ما آلت اليه اتصالاته ولقاءاته ومشاورات، ويقترح صيغة معينة لتشكيل الحكومة، تأخذ في الاعتبار ما سمعه..» لكن هذا الفريق يشدد على مسألتين: الاولى أن تكون الصيغة المقترحة استثنائية تحت سقف الدستور والنظام الديموقراطي البرلماني.. والثانية، ان يصار الى مناقشة هذه الصيغة مع رئيس الجمهورية كي يتخذ القرار.. خصوصاً وأن قناعة عديدين، تشدد على «استحالة تشكيل حكومة ترضي كل الكتل مئة في المئة.. إذ ليس بهذه الطريقة تؤلف الحكومات.» على ما يعلن «تكتل لبنان القوي» العائد أصلاً لرئيس الجمهورية..
ليس من شك في ان البلد في مرحلة دقيقة، والبعض يراها مفصلية، وليس أمام المعنيين من خيارات كثيرة، وقد أجريت المشاورات الملزمة وغير الملزمة، والجميع اتفقوا على حكومة لا تستثنى أحداً.. تكون «استثنائية» و»قادرة» بفعل الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً مع خلطة دولية كبرى، لن تكون بالتأكيد بعيداً منها. .وعلى الافرقاء كافة، بدل إضاعة الوقت في «الجدل البيزنطي» حول الحقائب والحصص، البحث عن حكومة منتجة تعمل لمصلحة لبنان واللبنانيين وتكف عن سياسة هدر الوقت و»الفرص الذهبية» في سجالات لا فائدة منها سوى تعميق الانقسامات.