IMLebanon

للكبار….

أثناء زيارة لمدافن عظماء البانتيون في باريس، لفتتني عبارة على المبنى، فحواها: للرجال الكبار يبقى الوطن مخلصاً. في المبنى التاريخي، اسماء كثر من الشهداء ومدافن لكبار الكتّاب والمفكّرين ومعرض دائم عن حيواتهم، وكان الدور لمعرض عن جان جوريس، تتمشى وتقرأ أفكاره وعبارات كتبها في جريدة “الاومانيتيه” أو قالها، تتوقف ولا يمكنك سوى التفكير في لبنان وكم نفتقد هذا النوع من الذاكرة، وكم نفتقد ثقافة معينة تمنحنا نمط تفكير مختلفاً.

الثقافة والاخلاص هذان لكل مَن قدم شيئاً الى الصحافة والوطن والحرية والجمهورية، مهمّان ويُكسبان الناس طريقة تفكير مختلفة. وتشعر هناك بأن للشهيد قيمة، وكذلك لرجال الفكر وكل مَن يقدم شيئاً مختلفاً الى الوطن والانسانية، إذ عندما نكرّمهم نصبح شعباً ووطناً بكل معنى الكلمة.

جوريس كتب وحلم بصحافة مستقلة لا تنحني للضغوط الاقتصادية، وإحدى العبارات التي قالها لفتتني: “في وقت معين من التاريخ يلزم كل منا ان يقف طرفاً. وقصد اننا لا نستطيع في أوقات مصيرية من التاريخ القول ان لا موقف لنا، او اننا لا ننحاز ولسنا مع أي طرف. وطبعاً ان نكون طرفاً، لا يعني الانحياز الى زعيم بالمنطق الضيق اللبناني، بل ان لنا موقفاً حيال مصيرنا واننا نرفض واقعاً معيناً، واننا طرف مع الطرف الذي يؤمن بالديموقراطية والأمن والحرية والاستقرار والازدهار، وإذا كان هذا الطرف غير موجود فعلينا ان نوجده لكي يصبح طرفاً ولا نكتفي بموقف اللاموقف، وبأننا لا ننتمي الى أي طرف. فالحياد أو “الاستقلالية عن الجميع” ليس حلاً او موقفاً صائباً، ومن واجبنا الانحياز الى معتقداتنا وأفكارنا حتى الرمق الاخير.

في لبنان قررت غالبية الناس ألا تنحاز ولا تنتمي الى أحد لأن الجميع خيّبوا آمالها. هل هذا موقف صائب او استسلام للحل الأسهل؟ ألا يستأهل لبنان وكل مَن ضحوا في سبيله ان نتخذ موقفاً من أجلهم ومن أجل مستقبلنا؟.

لا ضرورة ان يتفق الجميع على الموقف نفسه، فلنتفق أقله على بقاء لبنان وطناً لنا جميعاً، نختلف فيه، ومن ثم يكون طرف وطرف آخر وربما ثالث. وأقصد ان يكون حقيقياً، لا طرفاً يرفض الآخرين فحسب، فتكون له رؤية ومشاريع ورأي عام وقوى ضاغطة.

أما من يعتبر ان الوقت غير مناسب لذلك فجوابنا ان العكس صحيح، فاليوم هو الوقت المناسب. ممنوع في هذا الظرف تحديداً ألا نكون طرفاً، مع سيادتنا وحقوقنا ومستقبلنا كلبنانيين على الأقل.