IMLebanon

على سبيل الافتراض

على هامش ما أبداه الأستاذ وليد جنبلاط من رغبة في الانسحاب قريباً من الحياة السياسية، تخيّلوا معي مشهداً سياسياً، فحواه أن لا أحد من أقطاب السياسة والزعماء الحاليين، سيظلّ في مكانه وموقعه، ابتداء من مطلع السنة الجديدة.

محض تخيّلٍ فحسب. لكن المشهد بذاته جدير بالافتراض، سلباً وإيجاباً. بعضنا سيتحسر على المغادرين، وبعضنا سيبتهج. في الحالَين، تخيّلوا مثلاً أن الشاشات والإذاعات والجرائد ومواقع التواصل لن تعود مهتمة بالتحدث عن هؤلاء. وأنها ستضطر إلى التعامل مع ورثتهم، من الأبناء والأحفاد، والحلفاء! أو أنها، في أشد الأحوال غرابةً وسورياليةً، ستصطنع نجوماً وأبطالاً وقادةً جدداً، يحتلّون الواجهة، ويتبادلون الأدوار والقبلات و… الشتائم!

مشهدٌ تخييلي وافتراضي كهذا، أياً كانت أسبابه وظروفه وحيثياته، من شأنه أن يُحدِث انقلاباً جذرياً (صحيح؟! والله؟!) في حياتنا الإعلامية. الأضواء ستُلقى بالطبع على الزعماء الجدد، وزوجاتهم، وعشيقاتهم، وأزلامهم، ومشاريعهم، واهتماماتهم، وهواياتهم. لكنها لن تُلقى أبداً على “الانقلاب” المستحيل الذي لن يحدث في حياة الناس، لأن شيئاً من التغيير المأمول لن يحصل. لماذا؟ الجواب بسيط.

إذا كان جزءٌ مهم من المشكلة يكمن في أشخاص الزعماء والقادة، فإن الجزء الجوهري الأكبر يكمن في “الفكر” السياسي الذي يحكم الانتظام العام، وهو “فكر” مريض ومتخلّف، الشفاء منه ليس بتغيير الوجوه فحسب، بل باستئصال المرض نفسه. السرطان يُقتلع من شروشه، وإذا فرّخ مجدداً، يؤخذ ثانيةً بالكيمياء، وبالكهرباء، ولِم لا، ثالثةً، بالموت الرحيم!

… نُقِل عن المرشح الرئاسي الأستاذ سليمان فرنجية أن انتخاب رئيس للجمهورية رهن بتوافق سعودي – إيراني. مظبوطٌ جداً هذا الوصف الحقيقي لمآل الحياة السياسية اللبنانية. لكنه مؤلمٌ للغاية. فهو ينطوي على فضيحة كبرى، مفادها أننا لسنا أولياء أمورنا، بل ننصاع انصياعاً مهيناً للأسياد الخارجيين. فالنواب لا يستطيعون انتخاب الرئيس، لأن التوافق السعودي – الإيراني لم تؤتَ ثماره بعد. فكيف يقبل القادة السياسيون بأن تكون إراداتهم الوطنية موضع مصادرة، وكراماتهم مطعونة في الصميم؟ بل كيف يقبلون، وهم “نوّاب الأمة”، بأن ينتظروا أوامر الخارج؟! على سبيل الافتراض فحسب، تخيّلوا معي المشهد السياسي الآتي: النوّاب اللبنانيون يتداعون في ما بينهم، ويذهبون إلى المجلس لانتخاب رئيس بمحض إراداتهم، غصباً عن المعادلة الإيرانية – السعودية الجائرة!

مشهدٌ افتراضي كهذا، أليس من شأنه أن يُحدِث انقلاباً حقيقياً ليس في المشهد الإعلامي فحسب، بل في مفاهيم الحياة السياسية والوطنية ومعاييرها، بل أيضاً وخصوصاً في سلّم قيم مواطنيتنا وكرامتنا، وفي حياتنا مطلقاً؟!