اطمئنان «مستقبلي» لـ«ابن النظام»: «الفخامة» لا تجلب الزعامة
كما لو أنه لم يبق أمام وصول النائب سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا سوى انتظار جلسة 2 كانون الأول. عندها سيواجه «المستقبل» كل من اتهمه بالمناورة في دعم ترشيح فرنجية، بكتابة اسمه على الورقة البيضاء ثم وضعها في صندوق الانتخاب.
قبل الدخول إلى القاعة العامة، سيكون من السهل، وفق الأجواء الحالية، تأمين ضعف عدد النواب الذين حضروا الجلسة الأخيرة (48 نائباً)، بما يفيض عن نصاب الثلثين (86 نائباً)، فكل الكتل يفترض أن تكون حاضرة، باستثناء المغيّبين عن الصورة حتى الآن، أي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».
بالتأكيد ليست الأمور بهذه السهولة. وبالتأكيد لم ترق الانفراجات الظاهرية إلى مستوى الكلام الجدي بعد، خاصة أن الانتخابات، ولا سيما الرئاسية، صارت من التراث اللبناني، بحيث لا يمكن أن تتم سوى بالتوافق، أياً تكن الطرق التي توصل إليه.
فالذي يريد أن يتحدث بهدوء، يلتقي عند جدية ما في تأييد فرنجية من قبل «المستقبل»، الذي تؤكد مصادره بوضوح أن «المشروع ليس مناورة، فالحريري مقتنع بجدواه والسعودي على علم به، والفرنسي والأميركي مستعدان للسير به». لكن هل هذا يعني أن الأمور صارت في خواتيمها؟ يجيب المصدر، الذي تواصل مع الحريري مؤخراً: الأمر بحاجة أولاً إلى تسويق داخلي. وهذا يعني بوضوح أنه إذا لم يبارك «القوات» و«التيار الوطني الحر» الخطوة، فإنه يصعب تصور انتقالها إلى مرحلة التنفيذ.
بالنسبة لـ«المستقبل»، لا عقبات فعلية بين مسيحيي «14 آذار» سوى عند «القوات». المستقلون و«الكتائب» مستعدون للسير بانتخاب فرنجية، لكن حتى الآن لا يبدو سمير جعجع جاهزاً لبلع الموسى. علماً أن الحريري بدأ، من جهته، على ما تؤكد مصادر «المستقبل»، التواصل مع جعجع، وهو اتصل به بعد لقاء باريس الشهير، كما تردد أن لقاءً بين الطرفين كان يفترض أن يتم، لولا امتناع جعجع.
هذا يعني أن تحوّل فرنجية إلى مرشح توافقي ما يزال سابقاً لأوانه. لكن إلى ذلك الحين، فهو عرف كيف يوفّق بين موقعه الثابت في «8 آذار» واستعداده لتعزيز علاقته بالآخر، أو حسب تعبير «14 آذار»، «إعادة التموضع»، علماً أن فرنجية نجح حتى الآن في التوفيق بين الأمرين. قال، أمس، إن الطرح جدي لكنه ليس رسمياً، مؤكداً أن عون يبقى مرشح «8 آذار». قبل ذلك كانت الرسالة قد وصلت بوضوح إلى «المستقبل». قال فرنجية أمام وفد «الرابطة المارونية»: «أي رئيس سيكون له الحظ بأن يتبوأ هذا المركز يجب أن يكون ضامناً لجميع الفئات الحزبية والسياسية والدينية والمجتمع المدني».
في كل ما سبق تكمن معادلة «صديق بشار الأسد»، وكيف يمكن لـ«المستقبل» تخطيها؟ هنا تحديداً تنقسم وجهات النظر بين «8 و14 آذار».. لا بل تتناقض.
بالنسبة للفريق الأول، فإن تأييد فرنجية هو استباق للمسار السوري، الذي كرّسته روسيا، والذي يتجه نحو تثبيت الأسد أكثر فأكثر في السلطة. وبالتالي، فإن من مصلحة السعودية الحد من خسائرها، خوفاً من يؤدي التأخير إلى تنازلات أكبر.
بالنسبة للفريق الثاني، ولا سيما «المستقبل»، فإن الأمر معكوس، لأن قراءة هذا الفريق للحل السوري تتمحور حول تسليم روسيا بوجوب ابتعاد الأسد عن السلطة، فيما النزاع يدور حالياً حول التوقيت. ووفق هذا السيناريو، لن يكون فرنجية «صديق الأسد»، أو بدقة أكثر، لن يكون لهذه الصفة تأثير في السياسة الداخلية، بحيث لا يبقى من صفات فرنجية سوى تلك التي تريح «المستقبل»: هو ابن النظام، الذي تعامل معه التيار لسنوات طويلة عندما كان وزيراً، إذ لم يحصل الاختلاف سوى في الحكومة الأخيرة التي شارك فيها، قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهو أيضاً صاحب الحيثية المناطقية المحدودة، التي تمنع تحوّله إلى زعيم وطني عندما تضاف «الفخامة» إلى اسمه، خاصة أن التجربة تشير إلى أنه «لم يصبح كذلك في ذروة ما كان كان السوريون بكل قوتهم خلفه». وللمناسبة، فذلك أمر يلقى صدىً إيجابياً عند «المستقبل»، الذي يبدو واثقاً من أن فرنجية، الحاصل على بركة بكركي بوصفه بين أقوياء الطائفة المارونية، إلا أنه، عملياً، لن يكون الرئيس القوي المتفلت من القيود والساعي إلى قلب نظام الطائف، كما هي الحال مع ميشال عون.