IMLebanon

.. للفتيان نعوش في صفوف الحزب

شيّع «حزب الله» وأهالي بلدات جبشيت والعديسة وكفرجوز الجنوبية أمس، «فتى الولاية الشهيد المجاهد علي الهادي أحمد حسين ( جهاد – 17 عاما)، وهو أصغر مقاتل يقضي أثناء قيامه بواجبه الجهادي في الدفاع المقدس«. هكذا بث إعلام «حزب الله» خبر مقتل الفتى علي الهادي الذي سقط منذ يومين في ريف حلب مع آخرين خلال معارك مع الفصائل السورية المسلحة.

هو وجع جديد يُضاف إلى مجموعة أوجاع سبقته وبعضها ينتظر. فتيان بعمر الورود يسقطون دفاعاً عن مُسميات عدة، بعضها «جهادي» وبعضها الآخر «وجودي»، لكن الحقيقة الوحيدة هي انهم رحلوا عن هذه الدنيا قبل أن تكتمل أحلامهم ومن دون حتّى كلمة «وداع»، وكأنهم جاؤوا إلى الحياة برهة من الزمن ومن ثم ليُغادروها على الحان الفرق الموسيقية وشعارات لا يتحقق منها سوى الموت مُبكراً من أجل قضايا بعيدة عن ملاعب الطفولة وعالمها، قضايا تأكل الكبير والصغير من دون أن يرف للقادة جفن ولا أن تسقط لهم دمعة ندم على خدهم.

كما كان حال الفتيان مشهور شمس الدين ومحمد علي نعمة وآخر من آل ترحيني بالإضافة إلى غيرهم من الأطفال الذين سقطوا في سوريا، كذلك هو حال الطفل علي الهادي أحمد حسين ابن الستة عشر ربيعاً وليس كما ادّعى «حزب الله» بأن عمره سبعة عشر عاماً، والذي عاد أوّل من أمس داخل نعش صغير لا يتّسع لأحلامه الكبيرة التي لطالما تحدث عنها أمام والديه وأصدقائه الذين نزل عليهم خبر مقتله كالصاعقة خصوصاً وأن البعض كان يعتقد أن تواجده في سوريا يقتصر على مشاركته ضمن فريق الإسعافات التابع للحزب، لكن جميع هؤلاء أيقنوا أن علي الهادي قد رحل بطريقة مُفجعة لن تُنسيهم اياها لا حكايات وروايات مجالس العزاء ولا خطابات تتنقّل بها قيادات «حزب الله« من منبر إلى آخر وتُكرّرها بين ذكرى ومُناسبة.

أن يسقط فتى بعمر علي الهادي، لهو دليل واضح على حجم المعاناة التي يُعانيها «حزب الله» في صفوفه لناحية الكادر البشري الذي أحذ يتضاءل في الفترة الاخيرة، إمّا بسبب إمتناع العديد من العناصر عن الإلتحاق بالجبهات السورية، أو بسبب الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الحزب وحلفاؤه وتحديدا في ريف حلب حيث سقط له خلال الاسبوع الاخير ما لا يقل عن ثلاثين عنصراً. ويبدو أن الحزب وجد ضالته للتعويض عن هذه الخسائر، في أجساد طريّة سرقها عن مقاعد دراستها وضمّها إلى مشروع يبدأ على طريق التعصّب وينتهي بالقتل في بلاد الغربة.

لسقوط صغار السن في صفوف «حزب الله»، دلالة واضحة على عمق الأزمة التي تواجهه، فبعدما كان مقتل عناصر الحزب يُحتسب بالأفراد، أصبح صاروخ «التاو» هو الذي يتحكّم بمصيرهم وبالتالي أصبح الموت يُلاحقهم بالمجموعات. وسقوطهم يُعيد إلى «التكليف الشرعي» الذي كان يقضي بمنع الشُبان دون سن الـ18 عامًا من المُشاركة في المعارك الدائرة في سوريا أو حتّى إخضاعهم لدورات تدريبيّة من دون علم اهاليهم، أو تطويع عناصر يُعيلون عائلاتهم، وهذا الكلام سبق وأكدت عليه قيادات في الحزب على رأسها السيد حسن نصرالله في أكثر من محطّة ومناسبة. ومن هنا يبدو أن «حزب الله« بدأ يتّبع إستراتيجيّة جديدة في عمليّات التعبئة توجب البحث عن مقاتلين في الصفوف الكشفيّة أو على مقاعد الدراسة، ما يعني أن الحرب التي يفرضها على أبناء طائفته في الداخل والخارج قد تطول لأعوام مقبلة. 

الخطير في مقتل علي الهادي وغيره من أترابه الذين سبقوه أو قد يلحقون به، أنه وبعد إدخاله في السابق في الصراع مع إسرائيل والتشديد على ضرورة الإنخراط بالعمل العسكري لمحاربتها كمنهج رئيسيّ في التعليم، تقوم مؤسّسات «حزب الله« التعليمية والثقافيّة اليوم، بإدخال مفهوم جديد إلى مناهجها يتحدّث عن حرب طويلة الأمد مع «التكفيريّين« بالإضافة إلى اللعب على الغرائز المذهبيّة بوصفها حرباً «كونيّة« على الشيعة في العالم تتطلب منهم الإستعداد لها من سن مُبكرة، وبهذا يكون «حزب الله» قد حوّل الشباب إلى لاعب أساسي في حروبه بعدما زرع بداخلها حب الانتقام من عدو عمل على تصنيعه و»شيطنته»، فأوجد بداخلها حب الإنتقام والكره وتنمية الأحقاد في القلوب والنفوس.

تكوّن الوعي الإجتماعي والثقافي والديني الذي تعمل عليه مؤسّسات «حزب الله» ضمن بيئتها، لم يعد يقتصر على تطويع عقول الشباب فحسب، بل إنتقل إلى الأهالي الذين بدأ جزء غير قليل منهم، يُجاري الحزب في عقائده ومنظمة فكره. بالأمس هناك من سأل عن سر الحوار الذي دار بين علي الهادي ووالده على الهاتف قبل يومين تقريباً من سقوطه. يقول الابن لوالده: سوف ينقلوننا اليوم إلى خان طومان في مهمة، يُجيبه الأب: أوكي اتكل على الله واتذكر ابا عبدالله الحسين، ولا تُعطي ظهرك للاعداء. «خليك مثبّت». لكن الطفل علي الهادي ذهب في رحلة الموت، لكن قبل أن يُقتل بساعات، ظهر وجهه في شريط مصّور أثناء نقلهم داخل عربة عسكرية إلى «خان طومان». ابتسم مع نظرة خوف وكأنه كان يُريد أن يقول شيئاً.