تأمين «النصاب السياسي» ضرورة .. قبل «النصاب العددي»
عن «الموت السريري» للآذاريين.. و«الدبس بالطحينة»
عندما أعلن الرئيس نبيه بري الموت السريري لفريقي «8 و14 آذار»، أبدى كثيرون استعدادا للمشاركة في الدفن، في حين وجد آخرون في كلامه شيئاً من المبالغة، ولا يعبر عن حال كلا الفريقين.
لكن الشواهد كثيرة على «الموت السريري» لفريقي الانقسام، ولعل ابرزها «التمايزات» التي تظهر داخل كل منهما، وكذلك «عدم التوازن» الذي يعانيان منه، وعدم الالتقاء على نظرة واحدة وموقف موحد من بعض القضايا الكبرى والحساسة.
يستشهد المتأكدون من «الموت السريري» للاصطفافين إلى مجموعة أمثلة، من بين أبرزها الاستحقاق الرئاسي حيث تبنى في البداية رئيس التيار الاكبر في «14 آذار» سعد الحريري ترشيح رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وفجأة كسر هذا الترشيح وتبنى ترشيح احد ابرز وجوه «8 آذار» رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وما زال هذا الامر قائما. ثم حصل انقلاب 180 درجة في موقف جعجع فبادر الى ترشيح من كان يعتبره خصمه اللدود، اي النائب ميشال عون، وما زال الترشيح مستمراً.
حتى في النزول الى المجلس النيابي في جلسة الانتخاب، لا تنزل «8 آذار» كلها مجمعة على مرشح واحد، كما لا تنزل «14 آذار» مجمعة كلها على مرشح واحد، حيث ينزل قسم من «8 آذار» مع من ينزل من «14 آذار»، وقسم آخر يقاطع مع المقاطعين، والعكس صحيح. وحدها «كتلة التحرير والتنمية» تتمايز وتنزل ولم تقاطع ابدا منذ اول جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية.
وفي يقين المتأكدين ان اعلان الوفاة السريرية لـ «8 و14 آذار»، ينطوي على اعلان غير مباشر عن فشل الاصطفافات التي شهدها لبنان منذ العام 2005، وشكلت غطاء لمن هو فاعل سياسيا وحاضر شعبيا ولمن هو غير فاعل وغير حاضر، وكانت السبب في القسمة السياسية والمذهبية والجماهيرية التي عصفت بالبلد طيلة السنوات الماضية، كما كانت السبب الاساس للفراغ الرئاسي وشلل المؤسسات والعجز عن توليد القوانين الكبرى وفي مقدمها قانون الانتخابات النيابية.
وينطوي اعلان الوفاة ايضا، على دعوة مباشرة للقوى السياسية، الى الادراك ان تلك الاصطفافات قد «خدمت عسكريتها» واثبتت عجزها عن ابتكار الحلول وتقريب المسافات السياسية من جهة، والى الانتقال من جهة ثانية، الى اصطفاف من نوع آخر يأخذ العبرة مما سلف، ويؤسس لشراكة فعلية وجدية وكاملة في تحقيق «النصاب السياسي» الذي يؤمنه اجتماع الكل على كلمة سواء ونظرة واحدة موحدة الى المصلحة العامة. ومع هذا النصاب السياسي يسهل انهاء مسلسل الفراغ الرئاسي والخواء السياسي واللاتوازن، وتأمين اي نصاب عددي في اي استحقاق. ولكن طالما لم يكتمل هذا النصاب، سيبقى البلد متأرجحا في الانقسامات وعالقا في التعطيل المتبادل في شتى المجالات والمؤسسات والاستحقاقات.
حتى حقيقة الموت السريري لـ«8 و14 آذار»، على ما يلاحظ مرجع سياسي، يحاول البعض في الاصطفافين الهروب منها، وهذا يدلّ على ارباك لدى مستويات سياسية في كلا الفريقين. ربما لان بعضها يقول الشيء ونقيضه في آن معا، تارة ينعى «8 و14 آذار»، وتارة اخرى ينعشها وينفي الموت ويزعل اذا قيل له انها انتهت، وهو نفسه يهمس في السر بما هو اكثر من موت سريري للفريقين، وبأن الاوان قد حان للانتهاء من هذا الاصطفاف، ويؤيده في ذلك بعض القوى التي لا تستطيع ان تجد نفسها، او ان تكون لها فعالية او حضور خارج الاصطفافين.
على هذا التأرجح ما بين السر والعلن، يسقط الرئيس بري «نكتة» تقول ان امرأة احب ابنها الصغير ان يأكل «الحلو»، فأحضرت وعاء فيه قليل من الدبس، وجاءت بقطعة خبز وغمّستها بالدبس، وعاجلتها الى فم ابنها الذي ما إن بدأ المضغ، حتى صرخ طالبا ان يُؤتى اليه بالطحينة. لبّت الأم طلب ابنها، واخذت قطعة خبز وغمّستها بالطحينة، وعاجلتها الى فم ابنها، فما كان منه الا ان صرخ: اخلطوا الدبس بالطحينة. انصاعت الأم لرغبة ابنها، فأخذت قطعة خبز وغمّستها بالمزيج المخلوط وعاجلتها الى فم ابنها، الذي ما إن بدأ المضغ، حتى صرخ: شيلوا الدبس عن الطحينة..
هنا لم تتمالك الأم نفسها، وافرجت عن غيظها، وكانت النتيجة المنطقية ان ابنها صار يصرخ من الالم، إذ بدل ان تعاجله الام بلقمة في فمه، عاجلته بلكمة على فمه.