كانت القيادات الفلسطينية، إبان حروب لبنان، ترد على من يوحي اتهامها بتحريك الوضع الأمني في مناطق سيطرتها بالقول إن “القضية بنانية بنانية أخوي”، باللهجة الفلسطينية التي تغّيب حرف اللام. وحين هيمن نظام الوصاية كانت العبارة نفسها ولكن بلهجة سورية ترِدُ على من يتهم نظام الأسد بتسعير التفجير في لبنان.
اليوم، تتردد الجملة ذاتها بنفسٍ إيراني، ينطق بها وكلاء طهران. لكن الرأي العام اللبناني، الذي اكتوى بـ “الديبلوماسية الدموية” منذ 1975، لا يستطيع قبول الاستهانة بذكائه والاقتناع بـ”طهارة” طهران من دم الشغور الرئاسي، خصوصا حين يمنحها الأمين العام صفة “القوة العظمى الإقليمية الأولى الكبيرة” فيما التاريخ والوقائع يترجمان هذه المواصفات بفرض الهيمنة على المحيط، وهذا ما أكده قادتها وسمّوا 4 عواصم عربية بينها بيروت.
هذا التناقض “يخون” تشديد الأمين العام على تمسكه بما يسميه بالالتزام الأخلاقي الأخلاقي، والأخلاقي السياسي، وينعش الذاكرة على مواقف له تناقض هذه المبدئية، وفي الطليعة زعمه، بعد تحرير الجنوب في أيار سنة 2000، أن سلاح المقاومة لن يستخدم في الداخل. ومن ذلك، أيضا، نص خطاب له يدعم فيه الثورة الليبية، عند بدئها، فيه سمو بالإلتزام الأخلاقي فيقول: “ما يجري في ليبيا حرب فرضها النظام على شعب كان يطالب بالتغيير من دون استخدام السلاح وبالتالي أصبح هذا الشعب أمام خيار الدفاع عن نفسه، وهو ليس تنظيماً مسلحاً وكثر منه لا يملكون أي خبرة عسكرية بل لا يمتلكون السلاح الكافي… (إستخدم النظام) طائرات ودبابات ومدافع وراجمات الصواريخ… هذا الذي يشنه اليوم نظام القذافي على شعب ليبيا هو نفس شكل الحرب التي كانت تشنها اسرائيل على لبنان وعلى غزة. هذه الجرائم الكبرى المرتكبة من نظام القذافي يجب ان تكون موضع إدانة كل شرفاء العالم، من جهة، ومن جهة ثانية، يجب على كل من يقدر ان يقدم المساعدة في أي مجال من المجالات لهذا الشعب الثائر كي يصمد ويثبت أمام الدمار وأمام المجازر”.
استمات الأمين العام في تأكيد أخلاقيته وربعه، وتبرئة جمهورية ولاية الفقيه من “الدنس اللبناني”، وتأكيد ترفعها عنه، وجعل منها “مكة” الديموقراطية، حتى أنه هدد من ينتقدها، ودعاه إلى أن “يعلم حجمه جيداً عندما يتكلم عن الجمهورية الاسلامية وعن الديموقراطية”. لكن أين الديموقراطية في موقف الأمين العام من احترام الدستور والقوانين؟ وكيف يستوي الحرص على الديموقراطية مع دعوة الخصوم إلى الإذعان لـ “نزوة” العماد ميشال عون الرئاسية، حتى لو اقتضى الأمر استمرار الشغور الرئاسي الى ما شاء الله؟ وماذا لو استبدل الأمين العام كلمات ليبيا والليبي والقذافي بسوريا والسوري والأسد، أما كان التزامه الأخلاقي والسياسي أصدق وأوضح؟
قل لي مدى وفائك بالتزاماتك أقل لك من أنت.