«كم رأينا ظالماً متمرداً يرى النجم تحت ظل ركابه وبعد قليل وهو في غفلاته أناخت صروف الحادثات ببابه» (الشافعي)
بشكل متوقع، تجاهل حسن نصر الله التعليق على تبني مجموعة من الجيش السوري الحر المسؤولية عن العملية، وهو على كل حال قضية مستبعدة من الناحية العسكرية لافتقار هذه القوات للوسائل العسكرية التي قد تمكنها من دقة إصابة هدف من هذا النوع، وهي لا تملك أصلا القدرات التدميرية الكبيرة التي حملتها القذائف التي أتت على المبنى بكامله، ولكن من يدري، فقد تكون المصادفة لعبت دوراً في هذا الموضوع.
لكن إحراج حسن نصر الله لو كان الجيش السوري قام بالعملية مرده إلى أن القضية حينها ستأخذ بعداً آخر، وهو أن سرايا من «حزب الله« يقودها سمير القنطار موجودة في سوريا كقوى احتلال فكان عندها عمل الجيش الحر فعل مقاومة.
أما الجزء الآخر الذي تحاشى الخوض به نصر الله، فهو بالذات دور الوجود الروسي في سوريا، ومسؤوليته عن حماية منظومة النظام وحلفائه. فحتى الآن، فإن وظيفة الصواريخ الخارقة والجبارة التي نصبتها القوة الروسية في سوريا لم تفهم بالتحديد، فلو كانت القضية تتعلق بحادثة الطائرة التي اسقطها الأتراك، فقد كانت تكفي هيبة روسيا لمنع أي حادث في المستقبل. لكن المؤكد هو أن الدخول الروسي إلى سوريا كان منسقاً بشكل واضح ومعلن مع إسرائيل، بحيث تتغاضى روسيا عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد منظومة القوى المؤيدة لبشار الأسد، وتحديداً «حزب الله«، وتركز على ضرب المعارضة بشتى أنواعها لحماية مشروع روسي – إسرائيلي مشترك إسمه بشار الأسد. وحسب التحليل العسكري فقد كان من المستحيل للصواريخ الروسية منع العملية لقصر المسافة بين الإطلاق والهدف، ولم تكن على الأرجح الطائرات الإسرائيلية، في حال كانت هي التي قامت بالعملية، بحاجة لأن تخرق الأجواء السورية لإنجاز مهماتها، فالمسافة بين الجولان ودمشق لا تتعدى عشرات الكيلومترات، لكن كان على روسيا أن ترمي إسرائيل بتهديد أو وعيد «إن هي تطاولت على السيادة السورية مرة ثانية!»
ومن المرجح اليوم هو أن تحاشي إسرائيل إعلان المسؤولية عن تلك العملية مرده إلى تفاهم مسبق مع روسيا لعدم إحراجها، ولكن الأمور أصبحت واضحة للعيان وهي أن الدخول الروسي إلى سوريا، وإن كان بالظاهر لدعم منظومة الولي الفقيه التي فشلت في إنقاذ نظام بشار، ولكنها ليست بالضرورة حليفة له في السرّاء والضرّاء، وعلى الأرجح فإن حصة الولي الفقيه في التحالف الذي تتزعمه روسيا الآن قد يقارب الصفر بالمحصلة النهائية.
من هنا فإن الريبة الواضحة في تصريحات قيادات إيرانية متعددة من الوجود الروسي هي في محلها، لأن المستعمرة الإيرانية في سوريا خرجت بشكل شبه كامل من يد الحرس الثوري، ولم يبق لإيران ولـ»حزب الله« إلا التضحية بما تبقى من قواتها على الأرض في سبيل انتصار قد تحصده روسيا الإمبراطورية وحدها على حساب الإمبراطورية الفارسية.
أما اللعثمة في منطق الخطاب ما قبل الأخير، فقد ظهرت جلية في قضية المحاصرة المالية لـ»حزب الله« من خلال فرض القوانين الأميركية المتعلقة بالمنظمات الإجرامية. وهذا الإجراء هو مرحلة متقدمة على تصنيف الحزب بالمنظمة الإرهابية لأن تصنيف الإرهاب غير متوافق عليه على المستوى الأممي، وبالتالي فلن يلزم لبنان. أما التصنيف كمنظمة إجرامية، بما خص التمويل من خلال تبييض الأموال والتهريب والأعمال الخارجة عن القانون، فهو أمر يضع المؤسسات المالية اللبنانية في موضع صعب يجعل من شبه المستحيل لأي مصرف أن يغطي أعمال الحزب.
نصر الله يعلم ذلك، وبناءً عليه فقد أصر على أن لا مال لحزبه في المصارف، وأنه لا تجارة ولا مؤسسات تغذي ماليته.
بالطبع فإن كل الوقائع المثبتة والمعروفة محلياً وعالمياً تؤكد أن «حزب الله« يغذي جزءًا كبيراً من ماليته الضخمة من مؤسسات تجارية تحت رعايته، يشارك في إدارتها أشخاص كغطاء له، وما مؤسسة بيع المجوهرات التي أظهرت المحكمة الدولية بأن مصطفى بدر الدين كان يملكها إلا أحد الأمثلة. وهناك شائعات كثيرة عن أعمال غير قانونية تسهم في الأنشطة المقدسة لـ»حزب الله« تحت ستار التقية، وبالتالي فلا أحد يعتقد أن الإنكار ينفع أو يقنع حتى جمهور الحزب.
أما دعوة نصر الله الدولة الى حماية من صنفتهم الإدارة الأميركية في خانة الإتهام، فهي تعني أن تقوم الدولة بالتحقيق مع هؤلاء وعن أنشطتهم بمشاركة السلطات الأميركية في التحقيق قبل إعلان براءة المتهمين، وعدا عن ذلك فإن المؤسسات المصرفية اللبنانية ستكون مجبرة على الرضوخ للرغبات الأميركية، وعندها ماذا سيكون موقف نصر الله؟
()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»