Site icon IMLebanon

عن «المعادلات» التي افتـــقدَت «السلاح» و«الإبراء المستحيل»

 

تختلف الآراء عند البحث في انقلاب البعض على مواقفهم السابقة التي كانت من «الثوابت»، بين من يُحمّل هذه القيادات المسؤوليّة وبين من يتردَّد ويَعزو الأمر إلى ما قال به القانون الجديد للانتخاب الذي فصَل الأخ عن أخيه، لكنّ ذلك لم تتفهّمه بعد بعضُ المراجع الديبلوماسية التي تنحو إلى الاتّهام، فما هي الظروف التي قادت إلى هذه المحاكمة؟

لا تُخفي مراجع ديبلوماسية تُواكب التحضيرات للانتخابات النيابية ملاحظاتِها حول المتغيّرات الكبيرة في الثوابت السياسيّة والحزبية التي عبَّر عنها قادة حزبيّون يخوضون العملية الانتخابية هذا العام بمنطق يتناقض مع مواقفهم في الاستحقاقات الماضية ربطاً بتلك التي اعتُمِدت منذ انتخابات العام 2005 وحتى آخِر عملية انتخابية عام 2009 وما بعدها إلى حين انتهاء مرحلة الشغور الرئاسي.

وعشية دخول البلاد حقلَ المهلِ الدستورية، بدءاً بالمواعيد المتّصلة بدعوة الهيئات الناخبة قبل تحديد مواعيد التقدّم بالترشيحات والعودة عنها، إلى ما هنالك من مراحل دستورية ونظامية في الطريق إلى فتحِ صناديق الاقتراع في 6 أيار المقبل، لم يُصدّق عددٌ من الديبلوماسيين المراقبين المتغيّراتِ التي طرَأت على مضمون بعض الشعارات الجديدة المستغرَبة.

فقد توقّفَ أحدهم – وهو الأكثر اهتماماً بالترتيبات للانتخابات المقبلة – أمام نموذجين من الشعارات الجديدة المعتمَدة في محاكاة الواقع الذي أفرَزته التسوية السياسية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والتي تمَّ تجديدها بعد عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته، إلى المرحلة الحالية التي أظهَر فيها موقفاً متمايزاً عن الكثير من حلفائه الإقليميين والخليجيين والمحليين السابقين تحديداً، والتي دفعَته إلى التلاقي بشكلٍ مِن الأشكال مع الطرف الآخر ولو بلا تحالفٍ انتخابي. فأشار الديبلوماسي إلى النموذجين الأزرق والبرتقالي، مقارناً بين ما كانت عليه الشعارات والمواقف سابقاً واليوم.

على مستوى التيار الأزرق، لفتته المعادلةُ التي دلّت إلى متغيّرات كبيرة وأبرزُها التراجع عن سلسلة ثوابت تمّ التخلّي عنها تحت شعار «ربط النزاع»، وأبرزُها التغاضي عن مخاطر «السلاح غير الشرعي» الذي يمتلكه «حزب الله»، والتراجع عن مطلب وضعِه في تصرّف الدولة اللبنانية وفق استراتيجية واضحة تستفيد ممّا يتفق اللبنانيون على اعتباره من مقوّمات مصادر القوّة للبنان.

كما بالنسبة إلى ضرورة تسليم منفّذي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلى ما هنالك من إشارات كانت تدعو إلى إبقاء قرار السِلم والحرب في يد الدولة اللبنانية، وكلّها عناوين شكّلت مادة انتخابية في انتخابات العامين 2005 و2009، وتلك التي لم تكتمل فصولاً العام 2013.

وعليه فقد رصَد التغيير الكامل من خلال المعادلة الجديدة التي رسَمها الحريري، وتحديداً عندما أعلن في 14 كانون الأوّل الماضي أمام وفد من «اتّحاد جمعيات العائلات البيروتية» زارَه في «بيت الوسط»، أنّ «الانتخابات المقبلة هي بين مَن يريد الاستقرار والأمن والاقتصاد، ومن يريد فقط الصراخَ والمزايدة على سعد الحريري لتحصيل مكاسب بعيدة المنال».

على المقلب الآخر، رصَد المراقبون الديبلوماسيون أنفسُهم تبدّلاتٍ جذرية لدى ثوابت التيار البرتقالي. فبَعد شهرٍ على إعلان الحريري العنوانَ الجديد لمعركته الانتخابية، كشَف رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل قبل أيام عن معادلة شبيهة، عندما أعلن أنّ المواجهة قائمة بين «البعض الذي يعمل من أجل تأمين الكهرباء والبعض الذي يقفِل الطرقات والمؤسسات بالسلاسل ويوقِف المناقصات»، مؤكّداً أنّ الدولة تحتاج إلى «من يعمل وليس لمن يتكلم ويطلِق الشائعات».

وزاد في تحدّيه بالقول: «لا أحد يُهدّدنا بالدستور لأنّنا نحن من يَخضع له، وقوّتُنا في قبولنا به وبالقانون والقضاء، ولا نقول لأحدٍ نلقاك في الشارع بل أمام القضاء».

وفي معزل عن اختلاف الأهداف في ما قصَده كلٌّ مِن الحريري وباسيل، فقد التقيَا على انتقاد المعارضة بكلّ وجوهها ومواقعها، تلك الحزبية أو المتمثّلة في بعض الشخصيات المسيحية التي رَفعت لواءَ المعارضة منذ اعتراضها على ما أسمته «الصفقة» التي أوصَلت عون إلى رئاسة الجمهورية.

وفيما تفرَّد الحريري بتجنّب «المس» بسلاح «حزب الله»، ركّز باسيل هجومَه على انتقاد الرئيس نبيه بري من دون أن يُسمّيه غامزاً من قناة أعمال الشغب التي يقوم بها المياومون ونقابات السائقين لأهداف انتخابية، لكنّه وفي الوقت عينه نسيَ أو تناسى كتابَ «الإبراء المستحيل» الذي صَدر منذ أعوام ووضِع في الأدراج رغم وجود 11 ملياراً كان يتّهم تيار «المستقبل» بإضاعتها وصرفِها بلا أيّ إثبات.

وعلى هذه الخلفيات، تتطلّع المراجع الديبلوماسية إلى العناوين والشعارات الانتخابية المتناقضة، فلا تحاول المسَّ بها، ما عدا قلائلَ يخشون متغيّرات محتملة نتيجة التخلي عن الثوابت الكبرى التي وفّرت إجماعاً دولياً أمّنَ الحماية للبنان في مرحلة من المراحل. وفي المقابل، ينصرف آخرون الى تسجيل الملاحظات على ما يجري مذيّلةً بعبارات الاستغراب من دون أن يتجاهلوا الحديثَ عن احتمال حصول ما يؤدّي إلى إلغاء أو تأجيل الانتخابات تحت ذرائع مختلفة، على قاعدة أنّ مَن يتخلّى عن ثوابته السياسية والوطنية لن يكون صعباً عليه التذرّع بأيّ حدثٍ لعدم خضوعه للاستحقاق النيابي المقبل، وهو ما دفعَ بعضَهم إلى التحرّك بين المواقع الرسمية والحزبية والتحذير من أيّ خطوة مشابهة تقضي على الآمال المعقودة على الانتخابات المقبلة.