IMLebanon

لـكل زمـان دولـة ورجــال

 

ستبقى أخبار انتقال ولاية العهد السعودية إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان هي الأبرز بين مجمل أخبار المنطقة، وستستمر كذلك إلى وقت بعيد.

ذلك أن هذا البروز قد أكّد في الوقت نفسه على تحوّلاتٍ «إنقلابية» هامة بدأت منذ بداية عهد خادم الحرمين الشريفين حيث شهدت تكرارا تغييرا سريعا في وضعية ولاية العهد التي انتقلت مؤخرا إلى سمو الأمير محمد بن سلمان، وكان واضحا ذلك التحول المقدام والحافل بشتى أنواع الإمساك بمقاليد هامة في السلطة الأمنية والإقتصادية من قبل وافد جديد ومجدّد إلى عالمها، ما لبث أن أمسك بزمام جملة من الأحداث الجسام، لعلّ من أهمها، الحرب التي شنتها المملكة على إنقلابيي اليمن، وخطّة قلب الأوضاع الإقتصادية في المملكة من بلد يكاد اقتصاده أن يستند على ثرواته النفطية بمعظمه، إلى بلد أطلق ذاته باتجاه خطة إقتصادية تستند إلى أسس الإنتاج الإقتصادي الحديث بموجب خطط مرسومة ومبرمجة تنطلق بالمملكة من إطارات سيرها الإقتصادي القديم والمحافظ إلى إطارات منفتحة إلى اقصى الحدود على الحداثة وتقنيات العلم الإقتصادي والإنتاجي وتطوراته التقنية المستجدة في دول العالم المتقدم.

حزم وعزم تميزت به السياسة السعودية الحديثة مخالف في طبيعته لأسس المسايرة والليونة الذي كان متبعا في السابق في معالجة المعضلات المحلية والإقليمية والدولية، واعتماد الأسلوب الحبي والتوفيقي، والمسالم الذي ساد المملكة منذ تأسيسها، مرورا بالمراحل الصعبة التي داخلت المنطقة والعالم بأسره خلال العقود السابقة، وصولا إلى المراحل الحديثة التي طرأت فيها مستجدات طاولت المملكة والعالم العربي بأسره، بكثير من أنواع التحديات والأخطار التي تمثل أبرزها في المرحلة الأخيرة، بالإندفاع الإيراني الطموح والطامع باتجاه الإمتدادات العربية المتمثلة في دول عدة، كاليمن والبحرين والعراق وسوريا وصولا إلى لبنان، فضلا عن مطامح ومطامع أساسية لسياساتها وتصرّفاتها في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وكانت لها في هذا الاتجاه جملة من الممارسات والإنتهاكات التي أدت بالنتيجة إلى ذلك الإنقلاب الكبير في الممارسة السياسية والأمنية السعودية، التي اعتادت على معالجة قضاياها بالأسلوب الوقائي، وبالتي هي أحسن، فإذا بها تشن حربا وقائية تمثلت خاصّة في تحرّكها ضد الإنقلابيين اليمنيين الذين سريعا ما تجسدوا في أتباع إيران من الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فكانوا حصان طروادة الذي استعملته إيران واستغلته في افتعالاتها الإنقلابية في اليمن، واستعداداتها للإنتقال في الوقت والظرف المناسب إلى اختلاق أوضاع ميدانية، أمنية وسياسية مضطربة، في السعودية والخليج، بل وفي مجمل امتدادات العالم العربي. وها هي المملكة ومنذ بضع سنوات تخوض حربا ضروسا لترد المطامع الفارسية والمذهبية عن اليمن وعن نفسها وعن العالم العربي بأسره، وها هي السلطة المتجددة فيها قد تمثلت قولا وفعلا بجيل من الشباب الممثل لمستقبل هذه المنطقة والمتسم بروح الإقدام ومجابهة الأخطار بعقلية واسلوب الروح الشبابية وبالمطامح المدروسة والمتوجهة إلى بناء الدولة على أسس عملية مبرمجة وممنهجة تقي المنطقة من شرور الإرتجالية والخضوع إلى مواقع الجهات التي قادها الجهل والتخلف إلى الخروج عن قواعد الشريعة الإسلامية السمحاء، والإيغال في ابتداع قواعد تصرفية إجرامية، ألحقت بالإسلام زورا وبهتانا، أفدح الأضرار والأخطار المادية والمعنوية، مركزين على تلك الجريمة الدنيئة التي كانت تستهدف قدسا من أقداس المسلمين، وهو الحرم المكي الشريف، ومشيرين أيضا إلى إقدام هؤلاء الخوارج الجدد عن الإسلام وعن كل دين، عامدين إلى تهديم أماكن العبادة، وآخرها المسجد الأثري والتراثي في الموصل، وعن كل القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية. كما بدأ هذا الجيل الجديد من الشباب الذي امسك ببعض مقاليد السلطة والبناء الوطني والأمني والإقتصادي، في عملية إصلاح إجتماعي وسياسي وتشريعي، يؤمل في أن ينقل المملكة إلى مصاف الدول الأساسية المتقدمة في العالم، بحيث تجمع إليها موقع البلد الذي ظهر فيه الإسلام ونشأ وانتشر دينا سماويا متسما بالسماحة والإعتدال وبمبادئه الإنسانية التي تعاكس تماما روح القتل والنحر والإبادة الجماعية ومحو آثار الحضارة الإنسانية والإسلامية التي تمكن البشر عموما بمن فيهم المسلمين، من إبداعها وتحقيقها وبنائها، إضافة إلى موقع البلد الحديث الساعي في كل اتجاه إلى ترسيخ أسس التقدم في مجمل أرجائه وميادينه.

ولي العهد السعودي الجديد والمجدّد، يأتي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة، عنوانا للتجديد والتحديث والنمو الحضاري والإقتصادي والتحصين الأمني، كما يأتي بوسائله ومنهجيته المتأقلمة مع روح العصر بكل تقنياته واندفاعاته البناءة، بما سيمكنه من أن يكون نموذجا تتأثر به المسيرة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في منطقتنا التي أغرقوها، «وربما ساهمت في إغراق نفسها»، بشتى أنواع المزالق والمطبات والحروب وتدمير الأوطان وجرّها بقسوة وضراوة إلى مواقع تضاعف من تخلّفها وتعيدها إلى شتى صنوف الدمار والخراب، وتخلق في صفوفها أحقادا وشروخا وتفرقة مذهبية وطائفية لن تؤدي بها إلاّ إلى مزيد من الإيغال في تسليم رقابها وثرواتها ومستقبلها، للطامعين الذين يغزون العالم العربي في هذه الأيام، يقسّمونه ويقتسمونه ويستعمرونه بشتى أنواع الإستعمار الحديث، ولنا في ما هو حاصل في هذه الأيام العصيبة في سوريا، أبلغ الدليل، ويؤسفنا أن تنطلق مجددا تلك الهجمة المتجددة على المملكة العربية السعودية، من جهات وأفواه لبنانية لم تؤثر بها تلك المداخلات التي حاولت أن تخفف من آثار هذه التصريحات المؤسفة على أوضاع البلاد، خاصة ونحن في خضم انهيارات إقتصادية حادة، وعلى أبواب موسم اصطياف كان يبدو أنه سيكون واعدا، إلاّ أن هذه التصريحات يبدو أنها قد حولته مع الأسف إلى القول اللبناني المأثور «عالوعد يا كمّون»، أما إطلاق القنبلة الجديدة المهددة بإنشاء قوة عربية إسلامية، وإن كانت في وضعها الحالي قنبلة صوتية ذات أثر محدود، إلاّ أنها أطلقت أجواء مستجدة على الوضع الداخلي اللبناني، وأخرجت كل الفرقاء الآخرين، وأخرجت مجددا معظم الدول العربية عن سكة التفهم والتفاهم مع لبنان تقديرا لأوضاعه الداخلية الخاصة.