لُدِغت الرابية من جحر «التفاؤل الرئاسي» مرّتين، مرّة في الحوار الأوّل بين سعد الحريري وميشال عون، ومرّة في الحوار الأخير بينهما والرهان على عون رئيساً في جلسة 8 آب. وباقٍ من الزمن أحد عشر يوماً، على جلسة 28 أيلول المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية، ورياح «التفاؤل الرئاسي» تعصف بالرابية من جديد… ويدُها على زناد التصعيد.
أمّا مقرّات سائر القوى السياسية فتبدو بمنأى عن هذا التفاؤل؛
– عين التينة لم تلفَحها ولو «نسمة» بسيطة من تلك الرياح، الرئيس نبيه برّي رغم أنّه من أكثر المستعجلين لإتمام الاستحقاق الرئاسي، يتمنّى «إن شاء الله يكون هالحكي صحيح»، لكنّه جدّياً لا يرى سبباً موجباً أو مقنِعاً لهذا التفاؤل. فالمشهد المحلّي والإقليمي والدولي واضح أمامه، من بيروت، إلى الرياض، إلى سائر عواصم الدول التي يفترض أنّها معنية بالرئاسة اللبنانية.
– وليد جنبلاط ليس بعيداً عن قراءة برّي.
– سمير جعجع يناغم عون، لكن ليس هناك ما يوحي بأنّ وحي التفاؤل قد سَقط على معراب أيضاً.
– تيّار «المستقبل»، يلعب لعبةً مزدوجة، يُمسك عصا الترشيح من وسطها، في العلن يقول إنّه «متمسّك بترشيح سليمان فرنجية»، وخلفَ جدرانه يقول بعض وزرائه «نازلين في جلسة 28 أيلول لننتخبَ عون رئيساً»؟!
– فرنجية، يبحث عن سرّ تفاؤل الرابية، وصار الحذر أكثرَ مِن واجب لديه، يحاول التنقيبَ عن «الموقف الحقيقي» للحريري بعدما بلغته إشارات عن تحوّلٍ في موقفه.
– بكركي، تَجمع المعطيات التي تجعلها تقتنع بأنّ لغة التفاؤل السائدة، في زمانها ومكانها أو أنّها مبنية على أسُس صلبة.
– «حزب الله» يجاري حليفَه عون سياسياً وحكومياً ومطلبياً ويتمسّك به رئاسياً، يَسمع بالتفاؤل لكنّه ليس مقتنعاً به، قراءتُه مطابقة لقراءة برّي للمشهد الرئاسي، يلاقي تشخيصه للحريري ما خلص إليه كثيرٌ من السياسيين «الحريري مربَك. أولويتُه رئاسة حكومة العهد الجديد، لذلك تارةً يَميل نحو عون وتارةً نحو فرنجية وربّما يميل لاحقاً نحو مرشّح ثالث أو رابع، لا ضوء أخضر سعودياً لديه، حيال عون، ولو كان يَملكه لعاد فوراً ونزلَ إلى مجلس النواب». بل لم تصدر أيّ إشارات سعودية عن تبدّلٍ ما في موقفها، أو أنّها مالت ولو قليلاً نحو عون، بل هي تَجلد الحريري ماليّاً بشركته وديونِه، وحتى إنّها لم تُحدّد له موعداً للقاء أيّ مِن مسؤوليها. كما لم تصدر إشارات أميركية برفع «الفيتو» عن عون، أو توحي للسعودية بأن توافق على عون». والمعلوم أنّ الأميركيين يمسكون حاليّاً مقولة «لبنَنة الاستحقاق الرئاسي»، واللبننة تعني التوافق اللبناني، وهذا التوافق مستحيل.
ما بين المتفائلين وبين مَن يتعمّدون نفخَ التفاؤل نحو الرابية وتحديد المواعيد من جلسةٍ إلى جلسة، يبدو أنّها لعبةُ كسبٍ للوقت. من جهة الحريري إلى حين أن يأتيَه الجواب السعودي، ومن جهة المتفائلين فهُم يشاركون في اللعبة ويلحقون بـ»النافخين» إلى باب الدار حتى 28 أيلول، فربّما من الآن وحتى هذا الموعد يُغيّر السعودي رأيّه. وفي ضوء نتائج جلسة 28 يُبنى المقتضى ويعلن في 13 تشرين.
المتفائلون المتحمّسون، اقترحوا تحصينَ تفاؤلِهم بدعمٍ ملموس من الحلفاء، وهناك من اقترَح على عون عقدَ لقاءٍ مع السيّد حسن نصرالله، ولكن إن تمَّ اللقاء ماذا سيقول نصرالله لعون أكثرَ ممّا يقوله حول التمسّك النهائي به مرشّحاً نهائياً. في أحسن الأحوال سيَستمع السيّد لعون، وبالتأكيد لن ينزل معه إلى الشارع.
وهناك من اقترح على عون أن يطلب موقفاً صريحاً وواضحاً من «حزب الله»، خصوصاً حيال التحرّك التصعيدي الذي يُحضّر له. فكان جوابه لهم بما مفادُه: «اتركوا «حزب الله» على جنب، الحليف الصادق يقوم بواجباته من دون أن يطلب منه أحد القيام بها».
لكنّ نظرةَ المتفائلين مختلفة إلى عين التينة، هم يعتبرون برّي رأسَ الحربة ضد عون، وأمّا برّي فيترك هؤلاء يعتقدون ما يشاؤون. لم يخفِ يوماً أنّه يؤيّد مرشحاً معيّناً، وهذا حقّ أكثر مِن طبيعي أن يؤيد من يشاء. هناك من ينصح الرابية بالانفتاح على عين التينة، علماً أنّ باب برّي ليس مقفَلاً. وقد سئل برّي أخيراً عن إمكان اللقاء بعون، فقال: «لم يسبق أن كان لي تحفّظ في يوم من الأيام على اللقاء بأحد».
التفاؤل الرئاسي لا يُرى من عين التينة، بل تُرى لعبة لكسبِ الوقت يصفُها برّي بـ»أنّها حفلة «مزايدات» تضرب البلد من أدناه إلى أقصاه، مزايدات سياسية، رئاسية، زعاماتية، مناطقية، مزايدات في كلّ شيء، مع الأسف البلد يعيش حالة مرَضيّة لا يبدو الشفاء منها ممكناً، كلّ ماروني أو سنّي أو شيعي يريد أن يصبح رئيسَ جمهورية أو رئيسَ حكومة أو رئيسَ مجلس». ثمّ يضيف ممازحاً: «كأنّنا صِرنا في بلد أو عصر «عمرو بن كلثوم» (الشاعر الجاهلي)، كلّهم يزايدون متسلّحين بقوله: «ألا لا يَجهَلَنْ أحدٌ علينا فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينَ».
ما نحتاجه في لبنان، يقول برّي، ليس فقط الأمان الأمني والجيش والقوى الأمنية تقوم بواجباتها، بل الأمان السياسي، وأقصرُ الطرقِ للوصول إليه هي التزام الدستور، كلّهم يتحدّثون عن الدستور والتمسّك بمندرجاته، ومع الأسف كلٌّ يراه من منظاره ويَعتبرونه إلهاً مِن تمر ويأكلونه. إلتزام الدستور ليس انتقائياً بل حرفياً، خصوصاً في الموضوع الحكومي، ولو سبقَ واعتمِد ما ينص عليه الدستور في الحكومة لناحية كيفية اتّخاذ القرارات بالتصويت لَما كنّا وصَلنا إلى ما وصلنا إليه. أكثر من ذلك، هناك من يريد إسقاط الحكومة، ولكنّني أقول إنّنا كحركة «أمل» و»حزب الله» أكثر من متّفقين على بقاء هذه الحكومة لأنّها إن سَقطت فلا بديلَ عنها، ولن نستطيع أن نأتي بغيرها في غياب رئيس الجمهورية. صحيح أنّها مشلولة أو معطلة، لكن الكحل أحسن من العمى.
كان برّي يفضّل لو أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام دعا إلى جلسة لمجلس الوزراء أمس الأوّل الخميس، لكنّه يبدو أنه يحاول احتواء أيّ إشكال حتى إنّه لم يوقّع بعد القرارات التي اتّخذها مجلس الوزراء في الجلسة التي غاب عنها «التيار الوطني الحر». وأعتقد أنّه إن لم يدعُ إلى جلسة للحكومة بعد عودته، سيبدو وكأنّه يساهم في تعطيل الحكومة. علماً أنّني سأدعو إلى جلسة تشريعية في النصف الثاني من الشهر المقبل، فهناك أمور ضرورية لا بدّ من إقرارها، المهم أن يتأمّن النصاب القانوني 65 نائباً، عندها تُعقد الجلسة.
وعندما سُئل برّي عن التحضيرات العونية للنزول إلى الشارع، قال: الشارع واسع، يتّسع للجميع، ثمّ هذا تحرُّك شعبي، وهذا حقّ، لكن يجب أن نرى ما هي الطروحات.. أنا ما زلتُ عند رأيي بأنّنا ما لم نتّفق على ما بَعد الرئاسة فلا أعتقد أنّ هناك رئاسة… الوقت يمضي، وأخطرُ ما فيه إنْ مضى ونحن لا نملك رؤيةً مشتركة لقانون الانتخاب.
قيل له إنّ عناصر من الحراك المدني يعتصمون قرب السراي الحكومي… فقال: «إذا كان حول قانون الانتخاب فأنا أنزل معهم».