Site icon IMLebanon

عن «الشيعة المستقلّين اللبنانيين»

في البيان الصادر عنهم بالأمس «تبرّأ» «الشيعة المستقلّين» من كلِّ حسٍّ مذهبيّ، يُريد إلحاقنا بمشاريع إقليميّة على حساب نظام المصالح الوطنيّ أو العربيّ، ونؤكد أنّ الشّراكة في الوطن لا تقوم بالإكراه ولا بالكيديّة السياسيّة»؛ هذا كلامٌ شديد الوضوح والأهميّة وهو موقف متقدّم جداً للشيعة اللبنانيّين الشركاء في لبنان الوطن والدولة، ومع هذا «الشيعة المستقلّين» لم يُتِح لهم الفريق الذي يتصدّى للمشروع الإيراني في لبنان، لم يُتِح لهم فرصة ترجمة مواقفهم المتشدّدة لصالح لبنان وانتمائه العربي، وأكاد أقول «كأنّ هذا الأمر متعمّدٌ ومقصود، وأرى فيه «محاباة» أو «تواطؤ» متعمّد مع «الثنائية الشيعيّة» الحاكمة!!

لا بُدّ هنا من استعراض حال الاضطهاد التي تعرّض لها الشيعة اللبنانيين العرب على يدِ «أشاوس» «الثنائية» الحاكمة للشيعة اليوم واحدة بـ»الإقطاع» المستعاد، والثانية بـ»التكليف الشرعي»، أما شيعة لبنان من خارج هذه المنظومة، فقد كانوا حاضرين وفاعلين في مشهد لبنان العظيم في 14 آذار العام 2005، ولاحقاً غيّب حضورهم «التحالف الرباعي الإنتخابي»، وحال الصمت التي فرضها حزب الله على اللبنانيين عموماً بعد حرب تموز وبعد 7 أيار الـ 2008 وبعد انتخابات العام 2009 وبعد ظهور القمصان السود، وفي متاهة اسمها «الحوار» مع حزب الله، وهذا «ترفُ» تضييع «الوقت الضائع» موهبة لبنانيّة تتقن إيهام اللبنانيين أنّهم يتحاورون على شيء، وفي اللحظة التي ستنتفي حاجة الحزب إلى تعبئة الفراغ بالحوار، سينقلب على الحوار الذي دعا إليه أمينه العام شخصيّاً، فسياسة حزب الله باتت واضحة «إستخدام» الفرقاء الآخرين في كلّ ما يخدم أجندة الحزب، ومتى انتهت «المصلحة» ألقى بهم في مكبّ «التخوين والعمالة»!!

لا بُدّ هنا من الاعتراف أنّ «الشيعة المستقلّين اللبنانيّين»، هم الذين يواجهون حزب الله حقيقة، ومن داخل بيئة وبنية الطائفة الشيعيّة، وأنّهم معرّضون لخطرٍ حقيقيّ، ومع هذا يقومون بالجزء الخاص بهم في هذه المواجهة، بل هم صوت العقل الواعي والوحيد من قلب الطائفة الشيعيّة، وهم مستهدفون حتى في عائلاتهم وأقاربهم وجيرانهم، وللأسف تأخّرت كثيراً قوى ثورة الأرز في احتضان تجربتهم، مع أنّهم وحدهم في قابل الأيام الذين سيملكون القدرة في تنفيذ عمليّة «إنقاذ» يحرّرون بها الطائفة الشيعيّة «الرهينة» منذ أعمل حزب الله القتل في رجالاتها الكبار منتصف ثمانينات القرن الماضي، وهم نخبة النخبة وأهل العقل ورجال الفكر والتفكير والجامعيّون الذين تكوكب حولهم جمهورٌ واسع من الطلاب المريدين، كانت رغبة الحزب عارمة في تعطيل العقل في الجامعة اللبنانيّة، ولاحقاً تسلّلوا إلى المدارس، ودمّروا عقول الشباب بالتشادور و»المتعة»، كانت سنوات كارثية على الجامعة اللبنانيّة وعلى شباب الشيعة خصوصاً الشيوعيين منهم، أعرف صديقاً اختبأ لشهور في منطقة كركول الدروز هرباً من حركة أمل وسعيها لقتله لمجرّد أنه يساري!!

إن أوّل من عاني من طغيان «الثنائية» الشيعية وسطوة سلاحها، هم الشيعة، الذين أدركوا في قراهم أنّ ما يحدث بعيد عن عاداتهم وتقاليدهم، ومع الوقت تمّ تدجين القرى وأهلها ترهيباً بالسلاح وترغيباً بالمال، وعاشت الطائفة استسلام جماعي لا سابق له، ومع هذا ما زال الشيعة اللبنانيون محافظين على استقلاليتهم وانتمائهم لوطنهم لبنان ولمحيطهم العربي، وفي هذه اللحظة من المواجهة الكبرى نحتاج نحن وكل الأفرقاء السياسيين إلى احتضانهم وحماية قرارهم ودورهم لأنّهم هم الذين سيعيدون نسج ما مزّقته «الثنائية الشيعيّة» بتسلّطها على لبنان من النسيج الوطني اللبناني، ونحن معهم.

أطلق «الشيعة المستقلين اللبنانيين» في بيان الأمس صرخة تختصر اللحظة اللبنانية الشائكة في أزمة لبنان وحرجه الشديد مع الدول العربية، وفي صرختهم «إننا نهيب بكل الشيعة العرب في لبنان والمنطقة إلى سماع صوتنا، وتفهّم موقفنا، فالدور الشيعي لا يكون بالتكتلات المذهبية، إنما بالتفاعل الحي الصادق والحضاري مع مكونات الدولة الوطنية ومن ضمن نظام مصالح عربي واقعي وموضوعي. اللهم إنّا قد بلّغنا»…

نعم، قد بلّغوا، ولكن؛ هل يستيقظ الفريق المعني بضم النسيج الشيعي اللبناني ليكون جزءاً من الفريق الذي عليه رصّ الصفوف والتخلّص من أوهام إمكانية الحوار مع حزب، وليتعلّموا من تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري فقد حاوروه وحاوروه ظنّاً منهم أنّه قد يُماشيهم في مشروعهم، فقتلوه في الوقت الذي كانوا يحاورونه فيه!! الوقت اليوم لرصّ الصفوف، فنحن في لحظة مواجهة عاتية عربية ـ فارسية، وعلينا أن نكون «حائط الصدّ» في وجه الأطماع الإيرانيّة، ولن نكون كلّنا في هذه المواجهة إلا إذا كان «الشيعة المستقلّين اللبنانيّين» إلى جانبنا كتفاً بكتف ويداً بيد، فهل يستدرك المعنيّون ويعون قيمة ومعنى وجود «الشيعة المستقلّين اللبنانيين» مكملاً النسيج الوطني اللبناني، وفي هذه اللحظة بالذات…