IMLebanon

عن الحوارات السياسية وطابعها الديني

يتم التعاطي مع الحوار القائم ما بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» (عقدت الجلسة الثالثة مساء أمس) بوصفه حواراً بين الشيعة والسنة، وكذلك الحوار المرتقب بين»التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» بوصفه حواراً بين المسيحيين أنفسهم، لاسيما الموارنة منهم. لكن الواقع يؤكد أن الحوارين هما بين نهجين سياسيين مختلفين ورؤيتين مختلفتين للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني، وبين اساليب عمل وأداوت تعبير مختلفة ورؤية مختلفة للواقع الاقليمي وأسبابه وما يمكن أن يفرزه، وإن توحدت بعض الاهداف والغايات الوطنية لدى أطراف هذا الحوار.

وإذا توصل المتحاورون إلى حل للاختلاف على المسائل التفصيلية كما الجوهرية، يكون ذلك انجازا عظيما يمهد الارض لحلول للمشكلات القائمة نتيجة هذا الاختلاف. أما إذا لم يتوصلوا فيبقى كل واحد في موقعه السياسي والسلام. وعليه، فإنه من الطبيعي أن يكون مجلس النواب مكاناً لنقاش كل الامور بين كل الكتل السياسية. ولذلك من المسلّمات الصحيحة ان يُفرج الطاقم السياسي المتحكم بالبلد عن جلسات التشريع والاستجواب للحكومة والمناقشات العامة، ليصبح النقاش اشمل وأعمق وأكثر انتاجا وتحت قبة مؤسسة دستورية هي المرجع الصالح للبت في الخلافات وقوننة ما يجب ان يحكم المسار العام للبلاد.

لذلك، يرى الكثيرون أن أسباب الاختلاف كثيرة وكلها سياسية، والاصرار على انه حوار بين مذهبين اسلاميين او بين قوتين اسلاميتين مختلفتين، هو كلام غير واقعي بنظر قيادات اسلامية ومسيحية في «فريق 8 اذار»، ذلك ان الشحن والتحريض لجمهور الفريقين انما جاء من قيادات سياسية وعلى خلفيات سياسية ولتحقيق اهداف سياسية وليس دينية او مذهبية، والدليل، بنظر هؤلاء، أن عناوين الحوار بين «حزب الله» و «المستقبل» كلها عناوين سياسية ولا يوجد عنوان منها يتخذ صبغة دينية او مذهبية. وهذه العناوين تبدأ من تفعيل المؤسسات الدستورية وتنتهي عند محاولة التوافق على الاستحقاقات الانتخابية، مروراً باختلاف النظرة إلى أي لبنان نريد وكيف ندير لبنان هذا؟ عدا الاختلاف حول الوضع الاقليمي وجوهره الآن الازمة السورية.

لا فرق كبيراً في الحوار بين «التيار الحر» و «القوات»، فالاختلاف بينهما هو أيضاً على عناوين سياسية تتصل بالاستحقاقات الدستورية (الرئاسة وقانون الانتخاب) والنظرة إلى إدارة البلد. وتتعمق لتصل إلى الاختلاف على التحالفات السياسية لكل من الفريقين وإلى النظرة للوضع الاقليمي وتأثيراته على لبنان، وهو ليس اختلافاً بين تيارين مسيحيين على النظرة الى امور الدين وجوهره وكيفية تطبيق تعاليمه.

ويرى قيادي في «التيار الحر» ان جوهر الحوار الذي يتم التحضير له يتصل بوضع المسيحيين في لبنان وهواجسهم السياسية بعد التغييرات التي احدثها اتفاق الطائف وسوء تطبيقه في السنوات الماضية، بمعنى أي دور لهم في صنع القرار وإدارة البلد وفي التعيينات الإدارية والأمنية والعسكرية، واستطراداً، النظرة إلى وضع المسيحيين في المنطقة انطلاقا من وضعهم في لبنان باعتباره الدولة الوحيدة في العالم العربي والاسلامي التي يتمتع فيها المسيحيون ــ دستوريا وقانونيا ــ بكامل الحقوق بالتساوي مع باقي الطوائف.

ولعل طول التحضير للحوار المرتقب بين «حزب الله» والمستقبل» و»التيار والقوات»، مردّه الى تشعب العناوين السياسية المصيرية بالنسبة للطرفين وجمهورهما. وهو ما يفترض حسن التحضير ووجود الرؤية الكاملة لما يريده كل طرف بعيداً عن الحسابات الصغيرة والحساسيات المفتعلة ولعبة المصالح الانتخابية والمناطقية، ليصل هذا الحوار الى نتائجه المنطقية المفترضة، وإلا يكون بمثابة تضييع للوقت وتمسك برهانات خارجية ثبت انها لا تولّد حلولا او مكاسب لطرف بعينه في لبنان، بل تزيد الازمات فيه.

وستثبت النتائج التي قد يتمخض عنها الحوار بين الاطراف الاربعة أن المشكلات القائمة في البلد لا جذور طائفية او مذهبية او دينية لها، وان الحوار كان من اجل التوصل الى تفاهمات سياسية، لا فقط حول مقولة «تنفيس الاحتقان المذهبي» المفتعل بفعل فاعل.