IMLebanon

عن أيلول بشير الجميّل

تابعتُ ككثير من اللبنانيين سلسة «بشير الوثائقي»، تُرفع القبّعة لزميلنا جورج غانم على هذا العمل الذي أعاد «تنقيح» ذاكرة كثيرين من الذين ظلَمت ذاكرتهم الرئيس بشير الجميّل فالشيخ الشاب صعد نجمه مع حرب السنتين واستمر في الصعود حتى لحظة اغتياله على يد النظام السوري، من دون أن يحظى قتلته بمحاكمة فعليّة حتى الآن… ولإنصاف الذاكرة، كثيرون من مسلمي «المنطقة الغربيّة» كان بشير الجميّل بالنسبة لهم هو «الحلم اللبناني» و»رَجُل الدولة» الذي كان ليستطيع أن يبني لنا «الجمهوريّة» ويخلّصنا من «المزرعة»، ولكن تغلّب «فريق المزرعة» بعد قتله بشير الجميّل الرئيس، الذي استطاع أن يكون في عشرين يوماً فقط «أمل لبنان»…

كمواطنة لبنانيّة عاشت تجربة بشير الجميّل من المنطقة الغربيّة، أقول: «عندما بدأت الحرب اللبنانية كان لي من العمر عشر سنوات، اليوم أنا في الخمسين من عمري، راقبت كلّ فرقاء الحرب اللبنانية ومتاجرتهم بالشعب اللبناني ونقلهم البندقيّة من كتفِ جمال عبدالناصر إلى كتف أبو عمّار، إلى كتف الأسديْن الأب والإبن، إلى الكتفِ الإيراني الآن، ولاحقاً إلى أي كتفٍ ستكون له الغلبة، وحدها «مقاومة» القوات اللبنانية لم تغيّر خطابها ولا بوصلتها ولا مسلّماتها، من بشير إلى سمير، لقد رفضت كلّ من ساوم على قضية لبنان ولفظتْ كلّ من نقّلَ بندقيته من كتفٍ إلى كتف بحسب مصالحه الشخصيّة… هذه هي «المقاومة اللبنانية الشرعيّة» وما تبقّى هو ادّعاءات «المقاومة» مهما تغيّرت أسماؤها وهي ليست أكثر من «أجندات» و»عمالة» لمحاور خارجيّة!!

في ذلك الوقت كانت شعارات «الوحدة» مزيّفة، وكان عبد الناصر أعتى أعداء المملكة العربيّة السعوديّة، وكان واحداً من «أعجب» قراراته الأولى «منع إرسال الكِسْوة الشريفة» للكعبة المشرّفة ـ لم أستطع يوماً أن أفهم فِعْلَة عبدالناصر في معاقبة بيت الله الحرام، وكأنّ البيت العتيق سيبقى عارياً إنْ منع عنه عبدالناصر كسوته، ولكنني فهمتُ لاحقاً لماذا كان عبدالناصر رجل الهزائم العربيّة بامتياز!!

كلّ الكلام المزيّف الذي رفعه آنذاك جماعة «الحركة الوطنيّة» بدءاً من «العروبة» و»القضية الفلسطينيّة» و»تطبيق العلمانيّة» وتغيير الصيغة اللبنانيّة 6 و6 مكرّر، أذكرُ مناظرةً تلفزيونيّة بعد حرب السنتين جمعت بين الرئيس الراحل صائب بك سلام والشيخ بيار الجميل الجدّ، خاطب فيها الأول الثاني بعد حديثه عن الحفاظ على «الصيغة اللبنانية»ـ والمصطلح المستخدم آنذاك «صيغة الـ 1943 ـ فقال له: «إبنك [بشير] قال: «دفَنّا الصيغة وحطيّنا حرّاس عقبرها»، كان بشير متهماً بكل التَبِعاتِ، مع أن غضب الشهيد كمال جنبلاط على «الصيغة» وقتها كان أكبر بكثير من غضب بشير الجميّل، وكان يسعى تحت شعار العلمنة إلى الوصول إلى الرئاسة الثالثة، وأفشلَ اغتياله ـ لأسباب لا علاقة لها بأهدافه بل بحجم الرّجل الكبير المحترم من جميع الطوائف الرّافض الأول للاحتلال السوري ـ  والعجب أنّهم اتّهموا بشير بأهدافهم!!

ما أشبه واقع مسيحيي ومسلمي العالم العربي بواقع لبنان بعد قرار الأسد الأب باحتلال لبنان في  العام 1976. بشير الجميّل في ذاكرتي، وللمناسبة الحديث عن «الكرامة والحريّة والشهادة»ـ الذي «صرعنا» جماعة «مقاومة إيران» وحلف «الممانعة وحماية داعش» ـ سمعه اللبنانيّون لأوّل مرّة من الشيخ بشير الجميّل «الأبُ الشرعي» للمقاومة لأنّ المقاومات الأخرى «الناشئة» على الأرض اللبنانيّة كانت احتلالاً وعلى أعلى المستويات…

«قررنا البقاء في لبنان والعيش فيه مرفوعي الرأس…الشيخ بشير الجميّل 1976»…