مصير لبنان، أرضاً وشعباً ودولة ومؤسسات في مكان، وحسابات الافرقاء السياسيين في غالبيتهم الساحقة في أمكنة أخرى..
ففي وقت تتجه الأنظار والاهتمامات الى «الحدود الشرقية» تترقب «ساعة الصفر» لاطلاق معركة تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية مسيطر عليها من قبل ما تبقى من مسلحي «النصرة» بمحاذاة جرود عرسال التي تحررت قبل أيام، وتلك المسيطر عليها من قبل مسلحي «داعش في جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة وجوارها.. انشغل أفرقاء سياسيون في تبادل الرسائل السياسية الملغومة ومن بينها ما حصل في دير القمر لجهة نزع صور ويافطات مرحبة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي حضر البلدة أمس قداس عيد سيدة التلة الذي ترأسه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، وتقاطع مع ذكرى «مصالحة الجيل»..
المتهم ينزع الصور واليافطات هو رئيس بلدية دير القمر المحسوب على حزب «القوات اللبنانية» وهو الحزب الذي يتصف بـ»مركزية قرار حديدية»، على ما يقول البعض.. ما يعني عدم تبرئة رئيس «القوات» سمير جعجع مما حصل.. فلم تمر الذكرى هكذا بلا تداعيات.. وإذ حضر الرئيس عون قداس عيد سيدة التلة، بحضور تيمور وليد جنبلاط، فإنه غاب عن احتفالية ذكرى المصالحة التي حضرها النائب وليد جنبلاط ممثلا بالوزير مروان حماده لأسباب صحية.. وغاب عون بحجة «الارتباطات المسبقة»؟!
في قناعة عديدين، ان مساحة التباعد بين «التيار الوطني الحر»، و»القوات اللبنانية» تزداد اتساعا يوما بعد يوم، كلما اقترب موعد استحقاق الانتخابات النيابية، حيث كان لـ»القوات» سلسلة مواقف وترشيحات عبرت عن نفسها بتقلص الكيمياء الجامعة بين الفريقين وازدياد رغبة كل فريق بأن تكون له الكلمة العليا في «البيئة المسيحية»؟!.
وفي وقت تقرع فيه أجراس القداديس، كانت أجراس انهاء وجود «النصرة» في جرود عرسال، او معظمها على الأقل تقرع فرحاً، والجميع ينتظر ان تقرع أجراس معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من مسلحي «داعش»، خصوصاً وان وحدات الجيش اللبناني المرابطة في تلك المنطقة استهدفت مراكز «داعش» أول من أمس، وأمس، براجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة، ودمرت عدداً من التحصينات والآليات، وأوقعت اصابات مؤكدة في صفوف الارهابيين» بحسب مديرية التوجيه في قيادة الجيش..
في قناعة عديدين، ان «ساعة الصفر» لم تحدد نهائياً بعد لمعركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك.. وذلك على الرغم من وجود الغطاء السياسي من رئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.. وهي بيد قائد الجيش العماد جوزف عون الذي «يملك وحده التوقيت او التنسيق مع أي طرف».
الواضح ان معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك تستنفر جدلاً لم يكن في معركة تحرير جرود عرسال التي تحقق فيها انتصار لم يكن متوقعاً على هذا القدر من السرعة الزمنية، وذلك على الرغم من ان غير «مسؤول» راح بعيداً في القول إن «معركة جرود عرسال بدأت منذ ان خطف أول عسكري وتنتهي حين يتحرر كل شبر من الارض ويحرر كل عسكري مخطوف..».
لم تمضِ ساعات قليلة على اعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، في طلته التلفزيونية ليل الجمعة الماضي، واعلانه «انتهاء جبهة «النصرة» في الجرود.. ونحن موجودن فيها، ومتى أعلنت قيادة الجيش (اللبناني) استعدادها لتسلم المنطقة فنحن جاهزون لتسليمها.. وان الحزب سيكون في تصرف الجيش اللبناني في معركته على الجانب اللبناني من الحدود السورية في جرود رأس بعلبك والقاع..» ومؤكداً «ان الحزب سيخوض والجيش السوري المعركة من الجانب السوري من الحدود..» حتى انطلقت مدفعية وقاذفات الجيش اللبناني تقصف مواقع «داعش» من دون ان يعلن رسمياً ان معركة التحرير بدأت..
«حزب الله» في المعركة في الجانب اللبناني حتى أتيح له ذلك، ومن الجانب السوري كأمر واقع، ناتج عن التحالف العميق.. ولن يكون خارجها، وعلى ما قال السيد نصر الله وأكد «ان عملية تحرير بقية الجرود اللبنانية يسقوم بها الجيش اللبناني..» فإنه لم يفضل عن أهمية وجود او لا وجود القرار السياسي في ذلك.. «فالمشكلة، على ما قال نصر الله، لم تكن يوماً في المؤسسة العسكرية، بل في المؤسسة السياسية.. والجيش قادر على القيام بهذه العملية..» خصوصاً «وأن الجيش اللبناني يمتلك كل المقومات التي تمكنه من استكمال معركة تطهير الجرود الشرقية من الارهاب لاسيما الجزء المتبقي منها الذي لايزال تحت سيطرة تنظيم «داعش» على ما قال الرئيس نبيه بري الذي كشف عن ان «جيشنا من أفضل الجيوش في المنطقة وأثبت كفاءة قتالية عالية في حربه على الارهاب..».
الامكانات متوافرة، لكن يبقى القرار واعلان ساعة صفر بدء المعركة وامكانية التنسيق مع الجيش السوري يتفق الجميع تقريباً على ان «توقيت المعركة هو في عهدة قيادة الجيش، التي تمتلك تقدير الظروف والمناخات والتوقيت للقيام بمهماتها..» خصوصاً وأن الجيش واصل تعزيزاته في رأس بعلبك والقاع.. وهو سيقاتل عى الارض اللبنانية.. أما لجهة التنسيق «فإن الجدل السياسي لم يغب عن ذلك على رغم إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق ان «تنيسقاً موجوداً بين الجيشين (اللبناني والسوري) منذ سنوات، حيث هناك ضابط لبناني مولج بالتواصل مع الجيش السوري..».
«حزب الله» (اللبناني) سيقاتل «داعش» الى جانب الجيش السوري على الجبهة السورية المحاذية، او الملاصقة للجبهة اللبنانية والجغرافيا تلعب دوراً بالغ الأهمية.. وحدود لبنان البرية هي مع فلسطين المحتلة، تماماً كما هي مع سوريا.. والنقاش حول من سيساعد الجيش اللبناني في معركته مع «داعش» لم يأتِ من فراغ، خصوصاً وان البعض من الافرقاء اللبنانيين لا يرى شرعية لأي سلاح خارج سلاح الدولة» وآخرون يعلنون ان شرعية سلاح «حزب الله» تكتسب مشروعيتها من الاستراتيجيا الدفاعية في حين يتمسك الحزب وحلفاؤه بـ»المعادلة الثلاثية» جيش وشعب ومقاومة..؟!