IMLebanon

عن اغتيال الدولة..

تتلاشى الدولة في لبنان بمؤسساتها جميعاً. قِفلُ القصر الجمهوري يأكله الصدأ، وأبواب المجلس النيابي موصدة، ولو كان شعب لبنان أكثر اهتماماً بشؤون الداخل لأجبر الذين يُمثِّلون عليه أكثر مما يمثلونه على الحضور مخفورين احتراماً لإرادته (ولو مزورة) ومصالحه (وهي حقيقية..).

أما مجلس الوزراء فينعقد ـ استثنائياً ـ مرة كل ثلاثة أشهر، أو ربما أربعة، وبعد جولات من المفاوضات حول صفقات عالقة وتعيينات لسعداء الحظ من المحاسيب وأهل الوفاء لزعاماتهم الخالدة..

الحمد لله أن الجيش يتابع القيام بواجبه الوطني بمعزل عن إرادة «المرجعيات» الدينية والحزبية، فيحمي البلاد من عصابات التطرف الديني، وتستعصي عليه عصابات النهب المنظم للمال العام… وبمعزل أيضاً عن الحروب التي استعرت، بفعل فاعل، حول المواقع القيادية فيه والتي كادت تضرب الأصول والتسلسل الطبيعي والانضباط العسكري.

ولأن الطبقة السياسية لا تقرأ، ولا تستشرف الغد، ولا يعنيها مصير البلاد في ظل الحروب التي تحرق بلاد الجوار العربي وتسيل فيها الدماء بغزارة غير مسبوقة، فإنها تمضي مسترسلة في صفقاتها ومناوراتها الرخيصة وتملقها السفارات الأجنبية، أساساً، وبعض سفارات الدول العربية المذهبة، استثناءً، ولأسباب تتصل بالرئيس الجديد مجهول الهوية ومكان الإقامة.

لا ترى هذه الطبقة الحاكمة والمتحكمة بُحُورَ الدماء التي تملأ الأرض العربية من البحر إلى البحر، وأسلحة الطيران والبحرية ومدافع الميدان تقصف التاريخ وأسباب الحضارة فتملأ الأرض بجثث الأطفال والشباب والشيوخ والنساء…

وعلى غرار الحاكمين والمتحكمين في مصائر أهل هذه الأرض حيث لا أهمية للضحايا بل المهم إقفال باب الغد أمام الأجيال الجديدة ومطاردة احتمالات التغيير التي سيقرب الدم المهدور غيلة موعدها المحتوم، تتابع الطبقة السياسية حياتها مستمتعة بطيباتها.

ومع اختلاف الأسباب، فإن لبنان ينزف أجياله الجديدة ويخسر يومياً المزيد من الكفاءات التي يحتاجها لمستقبله الأفضل.

لقد خسرت دول عربية كيانها السياسي واقتصادها الوطني وأسباب الحياة فيها، نتيجة الحروب فيها وعليها، وخسر لبنان نسبة كبرى من شبابه المميز بنجاحه، إذ إنهم هربوا إلى من يُقدِّرون كفاءاتهم فيمنحونهم الجنسية إضافة إلى الرواتب التي تضمن لهم حياة كريمة… وهكذا تزداد الزجليات عن هذا البلد الصغير الذي يملأ الكون!

إن دولاً عربية عدة تخسر شرعيتها، وتمزق هويتها أمام عيون أبنائها، وتُخرج رايات الماضي من الخزائن العتيقة لترفع فوق البيوت المهدمة، تشهد على اغتيال الحاضر بالماضي فيسقط المستقبل مضرجاً بدمائه… أما نحن في هذا الوطن الصغير فإن قتلة المستقبل هم المتحكمون بالحاضر، من دون وازع من ضمير، أو خوف من محاسبتهم ذات يوم!

للتذكير: اليوم ستحلق في فضاء لبنان جلسة أخرى من الجلسات البلا نصاب لانتخاب رئيس جديد لن ينتخب.. في المدى المنظور!

عشتم وعاش لبنان: شهيد حكامه والمتحكمين بنا أجمعين.