هذا ملفّ لا بدّ من فتحه بعيداً عن السجالات والمزايدات اللبنانيّة المعتادة، «أعداد اللاجئين السوريين لبنان إلى الهاوية» هذا تقرير نشر في العام 2014، وفيه حذر الوسيط العربي والدولي السابق الاخضر الابراهيمي من أنّ «النزاع لا يقف عند سورية، بل إنّه يزعزع أصلاً استقرار لبنان»، أما ممثلة المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة في لبنان نينيت كيلي فـ»حذّرت من أن وضع اللاجئين عبء رهيب على لبنان الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين في العالم بالنسبة إلى عدد سكانه»، ليس هناك أوضح من هذا الوضع، فمتى يتصرّف الجميع على مستوى هذه المخاوف، ومتى تصارح الحكومة اللبنانيّين بواقع اللجوء السوري ووجه الاستفادة المالية التي تجنيها الدولة ووزارات معيّنة من أموال الدول المانحة؟
لسنا عنصرييّن، ولكننا لطالما دفعنا من أمن وطننا وأمننا ثمن أزمات الآخرين والمنطقة، منذ توقيع لبنان في 22 أيار 1991 معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون مع سوريا، وهو يدفع ثمن العبء السوري، بل منذ دخول جيش الاحتلال السوري إلى لبنان في العام 1976، بل الواقع اليوم أسوأ بكثير من تلك الأيام، وهنا لا بدّ من التمييز بين واقع وجود مليوني لاجىء سوري في لبنان اليوم، وبين واقع وجود اليد العاملة السورية القديم جداً في لبنان،
وبين هذيْن الحدّيْن ثمة من يمارس خطأً تاريخياً بحق نفسه ووطنه ممعناً في ادّعاء الإنسانيّة، من دون أن يدري أنّه يعيد صياغة خطأ ارتكبه لبنانيّون بحقّ لبنان منذ أواخر الستينات عندما تركوا اللجوء الفلسطيني يتمادى ويتحوّل إلى ميليشيات ضدّ لبنان، ودفعوا الثمن من أمن مناطقهم وبيوتهم وحرماتهم! ليس مسموحاً أن يتكرّر الخطأ مجدّداً، يمارس هؤلاء بداعي الإنسانيّة ابتزازاً كالذي مارسه اليهود ضد أوروبا طوال القرن الماضي بحجّة الاضطهاد والعنصرية ضد العرق السامي ومحارق الغاز، وهؤلاء كما النّعامة يدفنون رؤوسهم في التراب ويتجاهلون المخاطر المحدقة بلبنان!!
تُهمة العنصريّة لا تقلقنا ما دامت حدودها أمن لبنان وسلامة شعبه، لقد ساهم اللبنانيون وبكلّ طوائفهم في استقبال اللاجئين السورييّن ومساعدتهم ومدّ يد العون لهم، بصرف النظر عن الاضطراب الكبير الذي أحدثه وجودهم في حياة اللبنانيين، البلد مكتظّ جداً جدّاً، لم يعد فيه متّسع حتى للشعب اللبناني، مع ملاحظة أنّ اللاجئين السوريّين يعملون ويتلقّون المساعدات الأممية، ويواصلون الإنجاب بشكلٍ مدهش، فيما لبنان وشعبه واقتصاده على وشك الانهيار!
وبدلاً من أن ينشغل المعنيّون بواجب تحميل الحكومة ضرورة نقل خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه، وتحميل الدول المانحة المسؤولية كاملة بسبب تعجيزها لبنان وإلزامه بالبقاء في حال اللاحلّ، فلا هي تريد فتح أبوابها والتعاون لتخفيف العبء عن لبنان في أعداد النازحين الهائلة الموجودة على أراضيه، ولا هي تشاركه هذا العبء الإقتصادي الذي ينذر بوضع كارثي بمدّ يد عون حقيقية له ولشعبه بدلاً من تحميله ما لا طاقة له به.
«المجاملة» و»المحاباة» و»النفاق» السياسي غير مجدية في هذه اللحظة اللبنانيّة المصيريّة سواء أقنعة «التطبيع» مع نظام بشار الأسد، أم أقنعة «العودة الآمنة» و»الحسّ الإنساني» يشاغلون بها اللبنانيين فيما لبنان بأكمله في مهبّ الانهيار!!