Site icon IMLebanon

عن موت يتبع «حزب الله».. ولا يشبع

لم يعد البحث في أرقام أو عدد عناصر «حزب الله» الذين يسقطون في سوريا، يُجدي نفعاً بعدما أصبح السقوط في صفوفه يُعتبر أمراً شبه عادي أو «ضريبة» لا بد وأن يدفعها في سبيل تأمين وجوده وإستمراره في الداخل السوري. والمُفجع في هذا السقوط، هو ان معظم أهالي مقاتلي «حزب الله»، كانوا اعتقدوا بعد «إنتصار» حلب، بأن حياة أبنائهم قد حُيدت نوعاً ما عن الإستهداف، فإذ بهم يُفاجأون بأن الموت يُلاحقهم من منطقة إلى أخرى، وآخرها إدلب ووادي بردى والغوطة الشرقية.

منذ أيام، كان أهالي عناصر الحزب على موعد جديد مع الموت بسقوط العنصر احمد ربيع الحاج «ابو علي نوح» من بلدة الجيّة وقبله عنصر آخر من آل برجي وايضا العنصر محمد هاشم الذي استعيدت جثته من سوريا بعد مضي فترة طويلة على سقوطه. كل هذا والعيون داخل بيئة الحزب، تشخص مُجدداً نحو موت مُتجدد يُلاحق الأبناء والأشقاء وكأن لا أمل للنجاة بحياة كُتب عليهم فيها العيش خارج ديارهم وأوطانهم، وبعيدين عن عائلاتهم وأطفالهم إمتثالاً لأوامر قيادة إقليمية لم ترَ فيهم سوى أجساد يُمكن العبور عليها ومن خلالها إلى تحقيق مصالحها الخاصة.

سقوط عناصر من «حزب الله» في سوريا، في ارتفاع مُستمر وتبدّل دائم بين لحظة وأخرى حتى في ظل ما يُوصف بـزمن «التهدئة»، وكأنها بورصة قتل تأبى أن تستقر على حال واحد. معضلة غاية في الصعوبة تعجز عن حلّها القيادة على خطي بيروت ـــ سوريا والعكس، وما يصعب على هذه القيادة إخفاؤه، تتكفّل به صفحات حلفاء الحزب الإجتماعية وبعض عناصره تحوّلوا بدورهم إلى مصدر يمكن الركون اليه في عمليّة الكشف عن الأسماء والأعداد. والصفحات هذه، تنشط خلال هذه الفترة بشكل فعّال على خط الجرحى، فتجدها تبحث عن الأسماء و«الكنية» وعن خريطة سير رحلة العلاج سواء في مستشفيات البقاع أو بيروت. وقد رصد هؤلاء خلال الأسبوعين الاخيرين، ما يزيد عن عشرين إصابة معظم جراحهم توصف بالحرجة.

تحار قاعدة «حزب الله» الجماهيرية في صمت قيادة الحزب عن المعلومات التي تتحدث عن حجم الخسائر والتي تدّعي القيادة على الدوام بأنها «ملفقة» أو «مبالغ» فيها. وما تراه هذه البيئة مؤلماً، أن أي رقم جدي لم يخرج منذ إنزلاق الحزب الى الحرب السورية عام 2012، حول العدد الفعلي لقتلاه فيها، أقله من باب المصداقية والحفاظ على الصورة القديمة التي سبق ورسمتها هذه البيئة في ذهنها حول كا ما يتعلّق بـ«المقاومة» والمعتقدات الدينية التي على أساسها نشأت فكرة «الجهاد» ضد إسرائيل.

وعلى الرغم من كل هذه الإشكاليات التي تُعبّر عنها بيئة «حزب الله»، إلا أنها لم تصل بشكل فعلي إلى إهتزاز الثقة بشكل كامل، لكنها تترك آثاراً بالغة في نفوسهم تولّد لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبل عليها «حزب الله» من الصعب أن يتمكّن فيها من تحديد الأرض التي يقف عليها أو حمايتها، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقه سواء أكان مُرغماً، أو برضاه.

الغرق في المستنقع السوري، يبقى الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على «حزب الله» وقيادته وقادته في كل المراحل وهو بدأ ينعكس بشكل سلبي على نفسية مقاتليه بعدما أصبح الموت صفة تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة، والسؤال عن جدوى تواجد هؤلاء في سوريا، لم يعد يُجدي نفعاً بالنسبة الى العناصر والقادة، فثمة من قطع الشك باليقين باستكمال «مسلسل» الموت، من خلال العبارة الشهيرة «مستعدون للتضحية بثلث الطائفة من أجل ان يعيش البقية بكرامة». وأكثر من ذلك، ثمة من يعتبر أن الإنتصارات التي تُحرز في أي ميدان، لا بُد وأن تتُرجم إيجاباً في نفسية المقاتلين أولاً، وداخل البيئة الداعمة. لكن في حالة «حزب الله»، فان سقوط العناصر، يبدو انه الحالة الوحيدة التي تُعبّر عن كبر المأزق وإتساع حجمه.

وبعيداً عن المعتقدات وسياسة التعبئة وحقن النفوس، فإن الموت في صفوف «حزب الله» هو حياة في دنيا الآخرة. هذا ما يُشيعه الحزب داخل بيئته وهذا ما صار أقصى طموحات بعض عناصره، فلا فرق إن كان «العدو» هو الشعب السوري أو في أي مكان آخر، فالمهم بالنسبة إلى هؤلاء، أن تُقام لهم مآتم وجنازات حاشدة وأن تمتد أياماً وليالي، بالإضافة إلى الأمر الأهم وهو، عرض الوصيّة المصوّرة أكثر من مرّة اسبوعيّاً على شاشة تلفزيون «حزب الله» وإجراء مقابلات خاصة مع الاهل والأقارب والأصدقاء.