IMLebanon

عن تلاشي «الدولة» على أيدي مسؤوليها..

تتلاشى «الدولة» أمام عيون «رعاياها» وبمشاركة مكشوفة ومعززة بالإثارة طائفياً من أهل الطبقة السياسية، أصحاب الألقاب السامية، المسؤولين في ما تبقى من مؤسسات وإدارات ومجالس وهيئات.

الفراغ يُدَوِّي في القصر الجمهوري، والتعطيل الممنهج والمقصود يُبطل دور المجلس النيابي كمرجعية تشريعية جامعة ويحوله إلى «مكلمة» بلا نصاب، ومنصة لإطلاق الكل اتهامات ضد الكل حول المسؤولية عن البطالة التي صارت عرفا ومنهجاً في التعامل مع شؤون البلاد والعباد.

أما الحكومة التي يصعب اكتمال نصابها، إذا ما قدر لها أن تنعقد كمجلس للوزراء، فكل جلسة لها تبدأ بمشكلة وتنتهي بمشكلات تزيد الوضع تعقيداً، ورئيسها الذي تفوق على «أيوب» في الصبر ممنوع من الاستقالة لأسباب عدة بينها الشخصي والعام، وممنوع ـ وحكومته ـ من الإنجاز إلا عبر مساومات تشبه «المقاصة» وعلى طريقة «أعطني فأعطيك»، وغالباً من خارج المقرر والمطلوب.

ثم أن الوزراء «أمم شتى»، لكل منهم جدول أعماله وجدول أسفاره وجدول الاتفاقات والبروتوكولات مع الدول الأخرى، متصرفا كـ «دولة» داخل «الدولة المغيبة».. ألم ينص اتفاق الطائف على أن الوزير سلطان في وزارته لا سلطة عليه لأية جهة، فصلاحياته مطلقة ومرجعيته قيادته الحزبية أولاً، وبعدها يأتي دور مجلس الوزراء مجتمعاً… وفي غياب رئيس للجمهورية، والخلافات الدورية والممنهجة في ما بين الوزراء، تحتاج كل جلسة لمجلس الوزراء إلى «اتفاق لوقف إطلاق النار»، ثم إلى مساومات ومقايضات، تتضمن حفلة زجل مفتوحة عن حقوق الطائفة، التي تعطي «صاحب المعالي» حق الفيتو وتعطل الإنجاز… من دون أن يمنع هذا كله من تبادل تمرير الصفقات… بالتراضي!

طبيعي والحالة هذه، أن تطفح نشرات الأخبار المتلفزة والمذاعة، أو تلك التي «تصنع» عناوين الصفحات الأولى في الصحف، بالإهانات الموجهة كل صباح إلى «الرعايا اللبنانيين» الذين يتزايد إحساسهم بالعجز في مقابل خوفهم من تفجر «الدولة» ـ وربما الكيان ـ بخلافات زعمائهم وقياداتهم التي تتخذ من الطائفية سلاحاً لتحقيق مصالحهم بل أغراضهم على حساب «الدولة» التي تتهاوى مؤسساتها في قلب العجز (المقصود) عن القرار.

من ذلك، مثلاً، ما يتصل بواقعة إعلان رئيس حزب الكتائب، في مؤتمر صحافي، عقده محاطا بأركان الحزب، وقد أجلس وزيري الحزب عن يمينه ويساره، استقالة ممثليه في الحكومة.

جاءت السابقة نافرة: أن يتولى رئيس حزب سياسي، وفي موعد رسمي، إبلاغ رئيس الحكومة قراره باستقالة «وزيريه»، وبعد يوم كامل من إعلانه هذا القرار للعالم أجمع، واللبنانيين ضمنا، معللاً اتخاذه بواقع الشلل وافتقاد قدرة هذه الحكومة على القرار.. وحتى لا يحسب كل هذا على الحزب فيحسم من رصيده!

من التفاصيل أن الوزير الثالث الذي ظهر، عند تشكيل الحكومة، جالساً إلى جانب رئيس الحزب (الأب ـ يومذاك ـ)، قد أعلن بعد قرار الرئيس الجديد للحزب (الإبن، الآن) أنه لا ينتمي إلى الكتائب، وأنه باقٍ في الحكومة.

ومن التفاصيل أيضاً أن أحد الوزيرين اللذين أعلن رئيس الحزب استقالتهما قرر أن يبقى في الحكومة (وفي الكتائب… التي أعطاها أربعين سنة من عمره.. ومنذ أيام الجد المؤسس) مؤكداً احترامه للرئيس ـ الحفيد، ولكن الحكومة مسألة أخرى..

أما «الرعايا» الذين تقض مضاجعهم الوقائع الميدانية للحرب في سوريا وعليها التي لا تبدو لها نهاية واضحة، ولا توقفها هدنة منظمة تبقي الأمل بوحدة الدولة، وشعبها.. مضافاً إليها سيول الدماء في أرض الرافدين التي تهدد «الدولة العراقية» في وحدتها، خصوصاً وأن الطائفية والمذهبية ضربت وحدة الشعب، فضلاً عن اليمن التي ضرب التفكك المزدوج، طائفياً ومذهبياً، وحدة شعبها واستمرارية دولتها الفقيرة والممزقة بحرب «الشقيق الأكبر»…

أما «الرعايا» في لبنان فيفتقدون دولتهم التي تكاد تتلاشى ويشلها الفراغ المدوي في موقع الرئاسة الأولى، والفراغ المصنع وغير المبرر في المجلس النيابي ثم الشلل الحتمي في الحكومة نتيجة لكل ذلك.

الطريف أن القيادات المطهمة تواصل حياتها المعتادة: تتبادل التصريحات المهيجة طائفياً على طريقة «البنغ بونغ»، وتخطب في الإفطارات الرمضانية، وتواصل رحلات المصالح والصفقات، وتستثمر التفجير الذي استهدف مصرفاً كبيراً في بيروت لنفاق الإدارة الأميركية والنفخ في الفتنة النائمة لتوقظها، كاستثمار مجز، ثم تذهب إلى النوم هانئة مطمئنة إلى ارتفاع منسوب القلق الذي يزيد من خطورة دورها محلياً، وعند أهل الذهب الأسود، وفي العواصم البعيدة التي لا وقت لمسؤوليها للاهتمام بالتفاصيل اللبنانية المضجرة!

عشتم، وعاش لبنان!