من على منابر المنتدى الأهم والأضخم في العالم تطلّ نساء رائدات للمرة الأولى لرئاسة الاجتماعات وقيادة كل المناقشات واللجان. فلم يعد أيُّ عذر قائماً لترؤس الرجال هذا المنتدى وتحديد برنامجه، كما جرت العادة، وها هنّ النساء يجلسن مكانهم.
طالما ارتفعت أصوات من حول العالم للتنديد بضعف تمثيل النساء في المنتدى الاقتصادي لزعماء العالم ورؤساء الشركات «دافوس»، حيث يحضر مسؤولون سياسيون واقتصاديون من العالم كله، لمناقشة الأزمات وبحث مستقبل الكوكب بأسره. في العام 2014 مثلاً، لم تتجاوز نسبة النساء المدعوّات إلى طاولة النقاش الـ15 في المئة، بينما طغى الرجال على الحضور بنسبة 85 في المئة.
وكما في دافوس كذلك، في مواقع صنع القرار من حول العالم. تشكّل النساء أكثر من نصف سكان الأرض، ولكنهنّ لا يشاركن في مناقشة أزماتها وقيادتها واتّخاذ القرارات المصيرية داخل بلدانهن وخارجها، سوى بنسبة محدودة وبتمثيل خجول يهمّش أدورهن، وقدراتهن.
مبادرة بنّاءة
على رغم إغفال هذا المنتدى تعزيز الحضور النسائي فيه لسنوات، إلّا أنه لم يغفل على مرّ الأعوام دراسة وضع النساء المزري على سلّم المساواة عالمياً. في تقريره السنوي الصادر في شهر تشرين الثاني الماضي أكّد بناءً على دراسات أنّ حصول المرأة على أجرٍ مساوٍ لأجر الرجل وتمثيلها بنسبة الرجال نفسها في مكان العمل يحتاج إلى 217 عاماً ليتمّ.
تكشف هذه الأرقام فجوة اقتصادية بنسبة 58 في المئة بين الجنسين تزداد هوّة مع السنوات بدل أن تتقلّص خصوصاً أنّ تقرير العام 2015 كان تحدّث عن 118 عاماً لردم الفارق.
ووسط التراجع الملحوظ اتّخذ المنتدى بنفسه وللمرة الأولى خطوات لتقليص الفجوة الكبيرة، وتسليط الضوء على قدرات النساء، فاختار الأعضاء السبعة المكلفين القيادة جميعاً من النساء في الجلسات التي ستبدأ اليوم وتستمرّ لأربعة أيام، وهن: مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، رئيسة وزراء النرويج إرنا سولبرج، رئيسة شركة أي.بي.أم جيني روميتي، اللواتي سيرأسن المنتدى، بمشاركة رئيسة شركة «إنجي» للطاقة الفرنسية إزابيل كوتشر، الفيزيائية الإيطالية والمديرة العامة لمركز «سي.إي.ار.ان» للفيزياء الجزئية فابيولا جيانوتي، مؤسسة بنك النساء تشيتنا سينها، مؤسسة التعاونية الزراعية مان ديشي، والأمين العام للاتّحاد الدولي لنقابات العمال شارون بورو.
موضوع المؤتمر الـ 48 لعام 2018، هو «تفقّد الأسباب والحلول العملية للانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتنوّعة التي تواجه المجتمع العالمي». موضوعٌ ساخن على الأجندات العالمية لطالما تسلّم الرجال أمثاله تاركين النساء في المطبخ أو مع الأولاد أو في مكتب حيث غالباً ما يعملن مرؤوسات مفتقدات لأيِّ سلطة.
عندما تغيب النساء عن المنابر والمنصات العالمية ومواقع صنع القرار تُمحى قصصهن وتحدّياتهن وإنجازاتهن من التاريخ وكتبه ومن الذاكرة الشعبية، وتُدفن قدراتهن الهائلة داخل جدران البيوت وفي توابيت صور نمطية حدّت تطوّرهن الفكري والمهني والاجتماعي بالاهتمام بالشكل الخارجي لاستمالة رجال نافذين للزواج ليحصرن طاقاتهنّ بالعمل المنزلي وتربية الأولاد وبعض المهن المخصّصة غالبيتها لهنّ لأنها تُحاكي صورة المرأة كمربّية ومساعدة إجتماعية.
التغيير يصبح حقيقة
الأمم المتحدة وضعت تحقيق المساواة بين المرأة والرجل على جدول أهدافها للتنمية المستدامة للعام 2030 والمنظمات الدولية وخصوصاً الإتّحاد الأوروبي تعمل على دعم النساء وكسر حواجز التقاليد والتابوهات التي كبّلتهن من حول العالم. كل ذلك لدفع البشرية قدماً والاستفادة من طاقات نصف سكانها.
فكيف ستتقدّم النساء والبشرية بأكملها إن كانت وحدها أصوات الرجال تصدح على كل منابر صنع القرار، بينما يترك الحكام الذكور للنساء بالكاد منابر لعرض الأزياء ومنصّات لتسليع أجسادهن، ما يضمن للرجال أصحاب الشركات والنفوذ بيع المنتوجات وتحقيق الأرباح.