لأوّل مرّة منذ 5 سنوات… مخارج ممكنة لإنهاء الحرب
تفاهم أميركي – روسي على مبادئ التسوية… والأسد خارج النظام الجديد
أوباما لا يُمانع من ترحيل الأزمات المشتعلة إلى الإدارة الجديدة… وبوتين لحزمة إجراءات من ضمن نظام دولي مساعد
ثمّة ترابط واضح بين الوثيقة التي كشف عنها الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في ختام مفاوضات جنيف، التي ضمّت وفدي الحكومة والمعارضة كلاً على حدة، وبين محادثات وزير الخارجية الأميركية جون كيري مع القيادة الروسية في موسكو حول الأزمة السورية، ذلك أن دي ميستورا عبّر أكثر من مرّة، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، عن آماله في أن تؤول محادثات كيري في موسكو إلى دفع الحل وتوفير الزخم المطلوب لخارطة الطريق التي عرضتها الوثيقة، والتي قال إن طرفيّ النزاع لم يعترضا عليها.
بدا الموفد الأممي أكثر تفاؤلاً واقتناعاً بأن مسار التسوية، المرتكز على الانتقال السياسي للسلطة، قد وُضع على السكة، وإن كانت الطريق لا تزال في بدايتها وستكون طويلة وشاقة، فالشيطان يكمن في التفاصيل، ولكل طرف تفسيره الخاص في ما خص مندرجات الوثيقة التي وصفها دي ميستورا بـ «المبادئ الإرشادية» المبنية على «جنيف1» و«فيينا» و«ميونيخ» وقرارات مجلس الأمن والمحادثات المصاحبة في مراكز التأثير والقرار.
في رأي متابعين، فإن لقاء كيري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما كان ليحصل لو لم يكن المسؤول الأميركي يحمل في جعبته إجابات لملفات تعبّر عن الهواجس الروسية، ولو لم يكن الكرملين يحمل تصوراً للتساؤلات الأميركية، الأمر الذي من شأنه أن يُطوّر الاتفاق الأميركي – الروسي ليطرق عناوين أشمل وأوسع، تعبّر عن تلاقي مصالح بين الطرفين.
لم يعد خافياً أن بوتين يرغب في التوصّل إلى اتفاق حول الملفات العالقة في زمن إدارة باراك أوباما، فيما الرئيس الأميركي يريد أن يُرَحِّل الأزمات المشتعلة في المنطقة إلى الإدارة الجديدة، ويُمرّر ما تبقى من ولايته بخطوات تحافظ على صورة الإنجازات التي حققها في ملفي الاتفاق النووي الإيراني والعلاقات مع كوبا، ولا تنعكس سلباً على حزبه وفرص فوز الديمقراطيين مجدداً في الانتخابات الرئاسية.
في المعلومات المتوافرة، فإن هدف الجانب الروسي أن تؤول محادثات كيري – بوتين إلى تكريس التفاهم الأميركي – الروسي حول نقاط الالتقاء والتوافق وتطابق الرؤية في ملفات النزاع الشائكة التي تُشكّل عناوين مترابطة، وأبرزها: الأزمة الأوكرانية، العقوبات على روسيا، موضوع النفط ، الأزمة السورية والمسألة اليمنية، على أن يُترك الملف العراقي جانباً نظراً لتشابك الأمور المرتبطة به.
ووفق مطلعين على مجريات المحادثات المتعلقة بالأزمة السورية فإن خارطة الطريق أضحت أكثر تبلوراً، مع تركيز البحث على آليات الانتقال السياسي للسلطة والشكل الذي سيُترجم فيه، سواء في هيئة حكم أو حكومة موسعة وحدود الصلاحيات بين جزئية وكاملة، ليبدأ العمل على دستور جديد وشكل النظام، وهي العملية التي ستستغرق 18 شهراً لتتوّج عبر انتخابات ستحصل تحت رعاية دولية، وستفضي في نهايتها إلى بتّ مسألة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
ويضيف هؤلاء أن تلك المسألة التي كانت نقطة خلافية منذ «جنيف 1» قد رُحّلت إلى ما بعد الأشهر الـ 18، تماشياً مع توجّه أوباما بتركها للإدارة الجديدة للتعامل معها في ضوء السياسة التي تنتهجها.
وفيما تجنّب دي ميستورا التعليق على قرار الأسد إجراء انتخابات برلمانية في 13 نيسان المقبل، معتبراً أن ما يهمه هو الانتخابات التي ستنبثق عن العملية السياسية، كشف مصدر مقرّب من النظام السوري أن مسألة الانتخابات التشريعية التي أراد الأسد من ورائها تكريس حقه السيادي، قد جرى حل الإشكالية التي نشأت عنها بتفاهم مع القيادة الروسية يقضي بأن يتم حل البرلمان لدى إنجاز الاتفاق السياسي والوصول إلى المرحلة التي تقتضي إجراء انتخابات مبكرة.
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن انتخابات 13 نيسان ليست خطوة تشريعية أو دستورية بقدر ما هي «خطوة تفاوضية» في إطار الضغط على المعارضة والمجتمع الدولي الذي يجنح إلى التأكيد على «خارطة الطريق» التي تمّ رسمها، ما يدفعه إلى القفز فوق أي مفاعيل لهذه الانتخابات، رغم محاولة رئيس وفد النظام إلى جنيف استثمارها على طاولة المفاوضات، والإيحاء بجديتها عبر الطلب بتقريب موعد المفاوضات إلى ما قبل الثالث من نيسان، أو تأخير الجلسة المقبلة إلى ما بعد إجراء الانتخابات، وهو الأمر الذي تعامل معه الموفد الدولي من خلال تحديد موعد الحادي عشر لبدء وصول الوفود التي سيكتمل عقدها مع الرابع عشر من نيسان.
وإذا كانت مفاوضات «جنيف3» قد تركت، للمرة الأولى، انطباعات إيجابية على ضفتي فريقي النزاع، وسط إصرار دولي، ولا سيما أوروبي، على أهمية السيطرة على الحريق السوري وفتح ثغرة في الجدار المسدود لإنهاء الحرب التي طالت شظاياها دول ضفتي الأطلسي وروسيا الاتحادية، فإن «خارطة الطريق» التي اقترحها دي ميستورا تُشكّل محك اختبار لقدرة واشنطن وموسكو على إرساء مبادئ التسوية وصونها من ضمن ما يقترحه بوتين من إجراءات ملائمة تساعد على إرساء نظام دولي قادر على مقاربة الأزمات المستعصية واحتوائها، سواء مع هذه الإدارة الأميركية أو الإدارة المقبلة.