صوّت الأميركيون الثلاثاء وكان خيارهم واضحاً ومخيفاً في آن. لقد فاز المرشح الجمهوري بسهولة، معلناً بذلك حقبة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أدت الديمقراطية إلى فوز شخصية أبعد ما تكون عن الديمقراطية والانفتاح وتقبّل الآخر، وهي المبادئ التي يتغنى بها الغرب عامة وأميركا خاصة, والتي ترتكز عليها جمهورياتهم.
إن وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية، وكونه الشخصية الأكثر نفوذاً في العالم، يعني انتصار الفكر المتطرّف والعنصري الذي يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل علاقات الولايات المتحدة مع العالم بشكل واسع، والعالم العربي والإسلامي تحديداً.
لقد أطلق الرئيس المنتخب، خلال حملاته، مواقف معادية لسياسات أميركا الخارجية وتحالفاتها، داعياً إلى ابتزاز «الحلفاء» العرب مقابل الخدمات العسكرية، وكأن سياسة الابتزاز واستنزاف دول الخليج العربي خاصة، بصراعات مذهبية عقيمة، لم تكفِ الاقتصاد الغربي في السنوات الماضية عبر صفقات التسليح، من جهة، وسياسات التهويل من جهة أخرى.
إنها حقبة التطرّف بكل أشكاله وألوانه، في شتى أصقاع الأرض، فهل وصل الاسلام المعتدل إلى رؤية واضحة لمكافحة هذه الآفة، وهو ضحيتها الأولى؟
إن انقسام المجتمع الأميركي العامودي ينذر بأيام صعبة مقبلة، حيث المهاجرون والمواطنون من اتنيات وديانات وأعراق مختلفة يشعرون بخطر وجودي بسبب السياسات المعادية التي وَعَدَ بها ترامب ناخبيه، فكيف بالعالم العربي والإسلامي، المتخبّط بحروبه، والغارق بأزماته الاقتصادية والمنقسم على نفسه، بشكل فتح المجال أمام الجماعات التكفيرية والإرهابية لتتسلل وتضرب في البيئات المهمشة والمنسية وتشوّه صورة الدين الحق.
لقد جاء التحدّي اليوم من أقوى دولة في العالم، مما يتطلب جهوداً مضاعفة لتحصين جبهة العالم العربي في وجه إعصار ترامب القادم، ولن تتم هذه المواجهة إلا عبر فتح قنوات للحوار العربي المنفتح، الذي يخاطب الرأي العام العالمي، وذلك عبر كسر الحصرية الإعلامية اليهودية المروّجة لفكرة الإرهاب الإسلامي.
أما على الصعيد الداخلي، فقد حان وقت الإصلاحات، والتي ممكن أن تشكّل نقطة الانطلاق للحرب الحقيقية في وجه الإرهاب، عبر إنماء المناطق المحرومة وبتر الإرهاب من جذوره، وهي معيشية واقتصادية في الدرجة الأولى.
أما على الصعيد اللبناني، فالفرصة النادرة اليوم المتاحة أمام اجتماع جميع الأفرقاء تحت مظلة الدولة، والتي سهّلت عملية إنهاء الفراغ الرئاسي، لا بدّ أن تستثمر عبر تسهيل تشكيل حكومة متجانسة ومنتجة، قادرة على حماية الوطن الصغير من البراكين المشتعلة حوله، وتلك التي ممكن أن تنفجر في المستقبل، في حال قرّر ترامب تنفيذ أجندته بالكامل، وصعّد في وجه دول المنطقة كما توعّد. لم يعد تحييد لبنان عن صراعات الشرق الأوسط ترفاً، إنما هو السبيل الوحيد للحفاظ على آخر مقومات الوطن قبل أن تبتلعه الأزمات المحيطة، والتي بات جزءاً منها، يطبّق على الداخل ويهدّد اقتصاده بالانهيار الكامل!