Site icon IMLebanon

عن الانتخابات البلدية .. ودور «الحراك المدني»

ليس مبالغاً به اعتبار أن الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة، وحتى عن آخره، صدم لاتساع مساحة الفساد ومداه والجرأة عليه… من الانترنت غير الشرعي، الى النهب المنظم في قوى الأمن الداخلي، الى الاتجار بالبشر من دون رقيب أو حسيب، بعد فضيحة الفضائح الخاصة بنشر النفايات والأغذية الفاسدة والأدوية المزورة والمواد المسرطنة في طول البلاد وعرضها. ولم يكن خافياً على أحد من هذا الشعب، أن تغييب الدولة أو اختطافها على مدى سنوات طويلة، هو في أساس الاهتراء الذي أصاب الإدارات والأجهزة الرسمية، وحتى المجتمع نفسه، ليس في مجال المساءلة والمحاسبة فقط، بل أيضاً في ما يتصل بالجرأة على ارتكاب ما يخطر أو لا يخطر في بال انسان من صنوف الفساد والارتشاء والتحايل على القانون وسرقة المال العام.

ولا حاجة الى القول في الوقت نفسه، إن جانباً من هذه الصدمة عبّر عنه ما وصف بـ«الحراك المدني» في العاصمة وفي العديد من المناطق، وإن الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة أيضاً وقف الى جانب هذا التحرك وأيده سياسياً ومعنوياً، وإن تحفظ عن بعض ممارساته في حالات معينة، فضلاً عن السماح باختراقه والتسلل اليه من قوى وجهات لا علاقة لها بالحراك، ولا حتى بمكافحة الفساد ان لم تكن هي نفسها في صلبه.

ولأن نتيجة تلك المواجهة معروفة للجميع (بقاء كل شيء على حاله)، منذ بدء جولات الكرّ والفرّ فيها مع الانكشاف المدوي لفضيحة النفايات قبل سنة تقريباً، واجتماع الفاسدين والمتهمين في ما بقي من «الدولة» وعلى هوامشها للوقوف صفاً واحداً في وجه المطالبين بمحاسبتهم وكف أيديهم عما اعتادوا القيام به، فلا شك في أنها مؤقتة ولن تدوم طويلاً لسببين في وقت واحد: أولاً، لأن الفساد بات ثقافة عامة لدى الجميع، من الأكبر الى الأصغر، في الدولة والمجتمع. وثانياً، لأن السكوت عليه لم يعد مقبولاً ولا حتى ممكناً بعد أن وصلت الحال في البلد، سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً – اجتماعياً الى ما وصلت اليه.

من هنا، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تكون الانتخابات البلدية والاختيارية خلال الأسابيع المقبلة فرصة هذا الحراك الذهبية الجديدة، بل وفرصة المجتمع المدني بمختلف فئاته، لتكرار التجربة وان بطريقة ديموقراطية مختلفة: الدفع باتجاه سيادة الشفافية والنزاهة على صعيد الإدارات المحلية في المدن والبلدات والقرى، لا سيما وأن لها علاقة مباشرة بالناس وحاجاتهم الحياتية والإنمائية، بعيداً عن بيروقراطية الدولة وتدخلات السياسة (باسم الدفاع عن حقوق الطوائف والمذاهب؟!) كما هي العادة في مثل هذه الانتخابات؟.

الواقع أن هذه هي المهمة الأكثر الحاحاً، وربما حتى الأنجح، لما سمي «الحراك المدني» في المرحلة الحالية من تفاقم أزمات لبنان المتنوعة من جهة، والمتعددة الوجوه داخلياً وخارجياً من جهة ثانية. بل ويمكن القول إن هذا هو التحدي الفعلي والأكبر الذي يواجه «الحراك» الآن، لاسيما في ظل ما انتهت اليه تجربته السابقة.

وغني عن البيان أن تلك هي أساساً مهمة الأحزاب السياسية في العالم، وأن لبنان يفتقر الى مثل هذه الأحزاب ما دامت الطائفة أو المذهب (وحتى المنطقة الجغرافية) هي القاعدة التي قامت ولا تزال تقوم على ركائزها أحزابه وتياراته وتجمعاته السياسية. ومن شأن التجربة هذه، ليس أن تسهم في خلط الأوراق العتيقة فحسب، انما أيضاً وقبل ذلك في هزّ ما طبع العملية الانتخابية على الدوام من كيدية سياسية وضيعوية و»قبضنة» قبلية وعشائرية.

وعملياً، فليس قليل الأهمية اطلاقاً أن ينجح المجتمع المدني اللبناني (لنقل «الحراك» الآن) في وضع الرجل – المرأة المناسب في المكان المناسب على مستوى البلديات أو الهيئات الاختيارية، وأن يتم ذلك بالانتخاب الشعبي المباشر في مرحلة تفشل فيها الطبقة السياسية منذ سنوات وحتى عقود في الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية.

بل وأكثر، أن تقوم في المدن والبلدات والقرى إدارات محلية شفافة، أو غير فاسدة ولو نسبياً، بينما لا يفعل اللبنانيون الا أنهم يشكون من الفساد المستشري في الادارة الأساس (الدولة) على ما أكد مسلسل الفضائح والرشاوى والنهب المنظم الذي أسفر عن وجهه القبيح في الفترة الأخيرة.

هل يمكن أن يحدث ذلك، أقله ليمكن القول إن ضوءاً ما يلوح في نهاية النفق المظلم الذي دخل فيه لبنان منذ سنوات ويكاد الناس يفقدون بسببه أملهم في قيام دولة… أية دولة، لا نقول عادلة انما غير فاسدة، في المستقبل المنظور؟.