Site icon IMLebanon

عن الجيش الوطني بعيداً عن الهمسات والملابسات..

عن الجيش الوطني بعيداً عن الهمسات والملابسات..

بقلم صلاح سلام

الأول من آب مناسبة وطنية بامتياز، تجمع بين اللبنانيين، على اختلاف ألوانهم السياسية والطائفية والمناطقية، وتجدّد الأمل في نفوس كثيرين منهم، بإمكانية قيام الدولة من جديد، في يوم ما، طالما بقي الجيش الوطني واحداً، وحافظ على دوره نقياً، بعيداً عن أمراض الطبقة السياسية، وصراعاتها الأنانية.

مناقبية الجيش اللبناني، وانضباط قياداته المتعاقبة، منذ فجر الاستقلال، أبعدا لبنان عن شباك الوقوع في لعبة الانقلابات العسكرية، التي ذاع صيتها، وغيّرت المجرى الديمقراطي للعديد من الدول العربية الوليدة، على خريطة سايكس – بيكو، وبقي عسكر لبنان ملتزماً بالسقوف السياسية والدستورية، في حين تولى زملاؤهم في بلدان عربية أخرى السلطة مباشرة، متجاوزين كل النصوص الدستورية والأعراف السياسية.

لعل المبدأ الذهبي الذي وضع أسسه القائد المؤسس فؤاد شهاب، والقاضي بعدم تدخل الجيش في الصراعات السياسية، ساهم وإلى حدّ بعيد في الحفاظ على وحدة هذه المؤسسة الوطنية الكبرى، وأبقى على تماسكها في ذروة الانقسامات الداخلية، باستثناء مرحلتين كانتا الأكثر صعوبة، والأشد تعقيداً:

الأولى: في أواسط عام 1975، السنة الأولى للحرب البغيضة، عندما استطاعت التدخلات الخارجية إحداث انشقاق داخل الجيش اللبناني أسفر عن ظهور ما سميّ حينها بـ «جيش لبنان العربي».

الثانية: في نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل، وتسلم قائد الجيش يومذاك السلطة، عبر الحكومة العسكرية، وتوجيه مدافعه إلى غرب بيروت، حيث كانت القيادة العسكرية مناطة باللواء سامي الخطيب.

في المرحلتين الآنفتي الذكر، خرجت القيادة العسكرية عن سقف السلطة السياسية والدستورية، وحاولت أن تكون طرفاً في الصراع السياسي الداخلي، ولو على حساب وحدة الجيش!

* * *

بعيداً عن بعض اعتبارات الماضي والحاضر، وما تثيره من ملابسات وهمسات هنا وهناك، يبقى عيد الجيش يوماً وطنياً، عابقاً بمشاعر الفخر والعنفوان، لما يقوم به ضباطنا وجنودنا البواسل من بطولات في التصدّي للتنظيمات الإرهابية باللحم الحيّ، ومن إبعاد النيران المشتعلة على حدودنا عن الداخل، والعمل المضني لتوفير الأمن الحالي في طول البلاد وعرضها، رغم قلة الإمكانيات المادية والتقنية، والتي استطاع عسكر لبنان تعويضها بقدراتهم البشرية المميزة، وبتضحياتهم البطولية المستمرة.

الانقسامات السياسية، وارتداداتها على الصراعات الحزبية، وعدم احترام «حزب الله» لالتزامات لبنان العربية، وضرورة تحييد البلد عن الحروب المشتعلة في سوريا والعراق واليمن، أدت إلى إلغاء الهبة المليارية السعودية، التي كانت مخصصة لتسليح الجيش اللبناني، وتجهيزه بأحدث الأسلحة والمعدات، والذي يعتبر بأمسّ الحاجة إليها في معاركه الراهنة ضد التنظيمات الإرهابية.

المفارقة المفجعة حقاً، أن الطبقة السياسية لم يرف لها جفن عند إلغاء الهبة السعودية، بل الأطراف السياسية استمرت في معارك المحاصصة، والبحث عن المغانم، من النفايات إلى السدود والكهرباء، واستمر «حزب الله» في تصعيده ضد السعودية، رغم الأثمان الفادحة التي تحمّلها البلد، وخاصة جيشه الوطني، من خلال حرمانه من هبة الثلاثة مليارات دولار، التي كانت كفيلة بتحديث أسلحة الجيش وتجهيزاته لسنوات مقبلة!

* * *

لا بد من التأكيد على أن ما يقوم به الجيش اللبناني في تصديه للتنظيمات الإرهابية على الحدود، وفي ملاحقة وكشف الخلايا المتسللة إلى الداخل، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى، لا يدافع عن أمن لبنان وحسب، بل يساهم، وإلى حدّ كبير، في الحرب الدولية ضد الإرهاب، من خلال إضعاف قدرات العناصر الإرهابية على التحرّك من جهة، وعبر نظم تبادل المعلومات الاستخباراتية من جهة أخرى.

ولعل منجزات الجيش والأجهزة الأمنية في هذا الميدان بالذات، كانت وراء تشجيع العديد من الدول الصديقة، لتقديم بعض المساعدات العسكرية والمعدات التقنية، لدعم جهودها في التصدّي للتنظيمات المتطرفة.

ولكن المساعدات الأميركية والأوروبية للبنان، ما زالت دون المستوى المطلوب، خاصة في ظل هذا الغياب المتمادي للسلطات اللبنانية، في متابعة تنفيذ الخطة المتكاملة لتجهيز وتحديث سلاح الجيش، والتي تمّ إقرارها في عهد الرئيس ميشال سليمان، وكأن المطلوب بالنسبة لبعض الأطراف السياسية والحزبية، أن لا يصل تسليح الجيش اللبناني الى مستوى تنتفي معه مقولة: الجيش وحده غير قادر!!

* * *

عيد الجيش هو عيد كل لبناني يراهن على قيام الدولة، وعلى عودة المؤسسات إلى إيقاعها الدستوري السليم، بدءاً من رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس النواب وصولاً إلى مجلس الوزراء.

وطالما بقي الجيش يقوم بدوره الوطني المشهود، بعيداً عن التدخلات السياسية، والعنعنات الطائفية والمذهبية، يبقى لبنان بخير، وقادر على الابتعاد عن النيران المشتعلة على حدوده!