الحراك الشعبي في لبنان سيفٌ ذو حدين. فمِن جهة يساعد على تصويب المسار ومِن جهة اخرى قد يكون حصان طروادة امام سياسات مشكوك بها لتقويض الاستقرار والفوضى. وعلى القوى السياسية التقليدية تقبّل هذا الحراك كشريك جديد وليس كعدوّ.
تزداد الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني في المرحلة الراهنة إذ أُضيفت كلفة تداعيات الحراك الشعبي على كلفة الشلل في القطاع العام والانشقاق السياسي العامودي الحاد في البلاد.
فضلاً عن كلفة الفساد المستشري في مختلف النشاطات في القطاعين العام والخاص وعلى رغم ظهور صرخة الاقتصاديين والتجار وكأنها في وجه الطبقات المتوسطة والفقيرة إلّا أنها تنطوي على بعض الحقوق البدائية الضرورية لتسيير الاعمال أكان ذلك في الوسط التجاري أو في أيّ مكان آخر من الاسواق اللبنانية المناطقية الاخرى، فالقلق الذي يصاحب التحرّكات الشعبية التي تبدو في نفق مظلم وفاقدة للجاذبية والتخوّف من أن تكون باباً لعدم الاستقرار ولولوج قوى عشوائية الى الجسم اللبناني المنهَك كما حصل في الكثير من الدول العربية يحمل في طياته كلفة عدم الاستقرار والاضطرابات المفتوحة على مختلف الاحتمالات.
وتبقى الايجابيات الوحيدة هي في حثّ الجسم السياسي الموجود على تجاوز الصفقات الجانبية والتطلّع الى صفقات تخدم الوطن والمواطن، وتجعلهما يستعيدان بعض الثقة من المجتمع المدني.
وعلى مثال الاستنفار والتحرّك الاستثنائي في ملف النفايات ينبغي أن تجرى تحركات تالية على صعيد مختلف الملفات الساخنة في البلاد، ليكون بذلك دور الحراك الشعبي هو توجيه السلطات الرسمية وغير الرسمية الى التحرّك بسرعة وشفافية لملاقاة حاجات المواطنين.
إنّ تجاوب الطبقة السياسية الراهنة والمشكوك وعن حق بادائها يبقى العامل الوحيد للخروج بأفضل ما يمكن من الازمات الحالية. وإزاء هذه الازمات والمواجهات التي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر والتهديدات هل تتحرّك الطبقة السياسية فتنقذ نفسها. وتنقذ البلاد؟ الافضل أن يتم ذلك في اسرع وقت لتقليص الكلفة المرتفعة جداً التي يدفعها لبنان واللبنانيون في المرحلة الراهنة.
أما الحراك الشعبي فيجب أن ينتقل الى مرحلة التنظيم ورصّ الصفوف ليلعب دور المراقب والمحاسب وجهاز الانذار الدائم لاعادة تصويب أيّ عمل حكومي مثير للشكوك. وإنّ مواكبة التعامل مع ملف النفايات وغيره أكدت صوابية واهمية هذا التحرك.
وإنّ في ذلك، الفائدة للجميع ريثما يتمّ تشريع قانون جديد للانتخابات يأتي مستقبلاً بطبقة نيابية افضل تمثيلاً للفئات الشعبية ولحاجاتها. ويبقى أنّ للحراك الشعبي دوراً اساسياً في محاربة الفساد أينما وُجد.
وبات من المطلوب بالدرجة الاولى حالياً أن تسمع الطبقة الحاكمة لمطالب الحراك الشعبي وتحاور هذا الحراك الذي يستطيع أن يساعدها على تصويب عملها وتنظيف أجهزتها البشرية والادارية والتشريعية.
إنّ استعمال رفع العصا من قبل الحراك الشعبي تبقى افضل من الاتجاه نحو قلب الطاولة على بعض كبار الزعماء في لبنان. إذ إنّ الجميع يعلم تماماً أنّ وراء هؤلاء مؤيّدين ومناصرين بأعداد لا يُستهان بها، وأنّ مواجهتهم قد تعني بذوراً لحرب أهلية جديدة ومن نوع آخر.
ويبقى الحراك الشعبي ضرورة للتعبير من الاوساط الشعبية التي لطالما لزمت الصمت طوال ومنذ عشرات السنين حتى ظنّ البعض أنّ هذا الصمت سوف يدوم الى الابد.
وبات ضرورياً من الآن وصاعداً أن يتمثل هذا الحراك الشعبي في مختلف مستويات القرار الاداري والسياسي والاقتصادي في البلاد إذ يبدو أنّ أصحاب القرار منذ عشرات السنين قد اضاعوا اتجاهات البوصلة الحقيقية لادارة البلاد.
ومن المسلَّم به أنّ لبنان بعد هذا الحراك الشعبي لن يكون كما قبله. ويبقى أن يعيد كلّ فريق حساباته إذ إنّ ذلك سوف يرسم صورة وخريطة جديدة لمراكز القرار في لبنان فلا تعود محصورة ببضع شخصيات، إذا اتفقوا سارت الامور (وقليلاً ونادراً ما تتفق) وإذا اختلفوا يكون ذلك أشدّ سوءاً على البلاد والعباد (وغالباً ما يختلفون) وبعد الطائف والدوحة يجب على أيّ اتفاق جديد أن يتمّ بحضور ممثلين عن الحراك الشعبي لرفض وفضح أيّ اتفاقات جانبية قد تشكل ألغاماً جديدة امام مسيرة الوطن وازدهاره.