ماذا يفعل البلد من الآن ولغاية الإنتخابات النيابية وفقاً لموعدها المرحّل مرة جديدة، وإلى أيّار من العام المقبل هذه المرّة؟
هل دقيق وصفها بأنّها ستكون سنة التحضير للإنتخابات؟ وإذا كانت هي الحال فبأي معنى؟
ما تُطوى صفحته مع إقرار قانون الخمس عشرة دائرة بلوائح مقفلة ونظام تصويت أكثري وصوت تفضيلي على مستوى الدائرة، هو فترة كان فيها الصراع على قانون الإنتخاب يشغل جزءاً أساسياً من الحياة السياسية، إلى فترة ما بعد إقرار القانون الحالي، والتحدي فيها هو «فهم» هذا القانون، فهماً عملياً. فالموضوع لا يقتصر فقط على فهم ضوابط هذا القانون وآليته، انما فهم كيف يمكن لكل واحدة من القوى السياسية أن تسخّر ما يوفّره هذا القانون لحسابها، أو العكس. لا يمكن الذهاب للإنتخابات المقبلة من دون تطوير «استراتيجيات انتخابية» قادرة على فهم روحية قانون الانتخاب الحالي، والمتغير الأساسي المتمثل بانتهاء عصر «التشطيب» لصالح إعمال نظام اللوائح المقفلة والصوت التفضيلي. في القانون الحالي، يمكن لنفس القوة السياسية أن تزيد من ربحها إذا زادت من فهمها للقانون، كما في أي لعبة يرتبط التمكّن فيها من إجادة فهم قوانين اللعبة. كلما كانت قوانين اللعبة في لعبة ما مركبة ومعقدة، كلما كان كسب اللعبة مرهون بفهم هذه القوانين على أكمل وجه.
إلا أن التحضير للاستحقاق لا يُختزل فقط في الفهم العملي للقانون الانتخابي الجديد، ولا في توعية الناخبين على آليته وعلى حقوقهم الإنتخابية. هناك مشكلة تتصل بالشعارات السياسية التي على أساسها سيُخاض النزال. هل ما زلنا في شعارات 2005 أو 2009؟ واذا لم يكن هذا هو الواقع، أين أصبحنا على مستوى الشعارات السياسية؟ «حماية المقاومة»؟ «العدالة الدولية»؟ «العبور إلى الدولة»؟ العدالة الضريبية؟ مكافحة الفساد؟ هل يمكن أن يكون هناك تطور في القانون، من الأكثري إلى النسبي، من دون تطور في «سياسية» الإستحقاق، والطابع الإستقطابي للشعارات والرؤى والبرامج المُساقة ضمنه؟
بطبيعة الحال، ثمة من سيحاول تحويل احتجاجه على القانون الجديد الى محور لاستفتاء الهيئة الناخبة في الانتخابات الجديدة، وثمة من سيعتبر انه انجز شيئاً مهماً مع التوصل الى هذا القانون، بحيث أن الإنتخابات هي إستحقاق لمكافأته. في نفس الوقت، هناك من يعتبر ان القانون الحالي لم يعد مفتوحاً على تعديلات، وهناك من يعتبر أن باب التعديل يبقى مفتوحاً حتى عشية الإستحقاق العتيد.
كل هذا لا يعني أنّ التحضير للإنتخابات كفيل بأن يسيطر على كل الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاق. هناك أيضاً وضع اقليمي متأزم، وهناك ضغط متزايد من الادارة الأميركية في موضوع العقوبات على «حزب الله»، وتراكم الاجراءات الأميركية على هذا الصعيد من شأنه ان يعيد هذه المسألة في الداخل اللبناني إلى دائرة الحساسية. ما هو أثر هذه الضغوط، وكل تداعيات الأوضاع الدولية والإقليمية على فترة التحضير للانتخابات حين تمتد ليراد بها ان تشغل عاماً كاملاً، بموجب التمديد الثالث للمجلس النيابي الحالي؟ في أقل الإيمان، أنّه لا يمكن التوجه للإنتخابات، والتفتيش عن تحالفات، وعن حظوظ أوفر للاستفادة من شروط القانون الحالي، وبلورة شعارات سياسية ودعاية مواكبة لهذه الشعارات، على قاعدة إهمال مجمل المشكلات المستعصية والمستفحلة التي يجملها الخلاف مع «حزب الله». في نفس الوقت الذي لا يمكن التعامل مع 2018 كما لو أنها 2009 ثانية. 2018؟ رغم كل شيء «بعد بكير». إعداد الخطط من الآن لإنتخابات تحدث بعد عام في كل هذا الوضع المتغير، هو تمرين افتراضي في أحسن الأحوال.