Site icon IMLebanon

عن حصّة الرئيس أيضاً وأيضاً

 

عن «حصّة» رئيس الجمهورية الوزارية أيضاً وأيضاً… يستمر البعض إمعاناً في مخالفة «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثقَ منه متحدثاً عن هذه الحصة وكأنّها «حقّ مكرَّس» دستورياً، فيما ليس هناك أيّ نصّ فعلي مباشر أو غير مباشر يقضي بتخصيص الرئيس بحصّة من هذا النوع.

يقول سياسيون مخضرمون إنّ المشكلة في الطبقة السياسية القائمة بل في كل الطبقات التي سادت البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم، أنها خدمةً لمصالحها تُحوّل النصَّ الدستوري عِرفاً، أو تُحوّل العِرف غيرَ المكتوب نصّاً.

نعم حصَل خرقٌ لـ«إتفاق الطائف» والدستور أيام بعض الرؤساء السابقين الذين انتُخبوا بعد الطائف ثمثّلَ في إعطاء بعضِهم حقّ تسمية وزراء اعتُبروا «حصّته» من دون ايّ نص دستوري يقضي بذلك، ما خلقَ عِرفاََ أو سابقة صارت حجّة او ذريعة يتّخذها افرقاء سياسيون خدمةً لمصلحتهم مثلما يفعل الآن بعض المشتغلين في تأليف الحكومة او المستوزِرين من قوى سياسية او سياسيين، حيث يتعاطون مع ذلك «العِرف» وكأنه نص ينبغي التزامه من دون اكتراثٍ للدستور الذي يمنح رئيسَ الجمهورية صلاحية ترؤسِ جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء من دون ان يحقّ له التصويت على ايّ قرار يتّخذه هذا المجلس الذي يقضي الطائف بأن تتمثّل فيه جميع القوى السياسية والطوائف تمثيلاً عادلاً كونه يُشكّل السلطة التنفيذية الجامعة بعدما كانت في يد رئيس الجمهورية وحدَه قبل «الطائف» ودستوره.

والواقع انّ طرح تخصيصِ رئيس الجمهورية بـ»حصّة وزارية» ناجمٌ من جملة عوامل ومسائل، منها انّ بعض القوى السياسية المؤيّدة هذه «الحصّة» والدافعة اليها، ترغَب في تكبير حجمها الوزاري في الحكومة، ويتصدّر هذه القوى تكتّل «لبنان القوي» ولذلك يستشرس هذا التكتل في تسويق «حقّ الرئيس» بحصّة وزارية، مستنداً الى السابقة التي حصلت ايام الرئيس السابق ميشال سليمان، فيما المطلوب تحقيق ما يطالب به الجميع وهو استكمال تطبيق «اتفاق الطائف»، وتصحيح ما نُفّذ منه مشوَّهاً او خطأً، وإنهاء العِرف القائل بتخصيص رئيس الجمهورية بـ«كوتا» وزارية.

ومن هذه العوامل أيضاً انّ القائلين بـ»حصة الرئيس» إنّما يعملون على تجميع مزيد من الاسباب والذرائع ليفرضوا لاحقاً واقعاً يفرض تعديلَ «اتفاق الطائف»، أقلّه في مجال صلاحيات رئيس الجمهورية، وذلك من خلال تحويل الأعراف التي أُحدِثت او يُحدِثونها، ومنها عرف حصة الرئيس الوزراية، الى نصّ ولو غير مكتوب، ليغدو اقوى مِن القانون والدستور، تماماً كتوزيعة الرئاسات الثلاث على الطوائف الاسلامية والمسيحية منذ الاستقلال من دون وجود ايّ نص دستوري او غير دستوري يخصّص رئاسةً لهذه الطائفة أو تلك.

ويرى هؤلاء السياسيون، أن ليس صحيحاً القول إنّ «اتفاق الطائف» جرَّد رئيس الجمهورية من صلاحياته التنفيذية، بأن أناط السلطةَ التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً ومتمثّلةً فيه كلّ الطوائف والقوى السياسية، بل على العكس، فإنّ الرئيس هو رئيس الدولة ورمز وحدةِ الوطن والقائد الاعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء، اي انّه بعد «الطائف» باتَ الراعي لكلّ المؤسسات والحَكم بين الجميع داخل السلطة وخارجَها، فصلاحيتُه مثلاً في موضوع تأليف الحكومات اساسية، إذ مِن دون إصداره مرسومَ تسمية الرئيس المكلف تأليفَ الحكومة، وتالياً إصداره مرسومَ تأليف الحكومة، لا يمكن ان تكون للبلاد حكومة.

ولذلك، وفي مناسبة «طحشة» البعض لتشويهِ الدستور وخَرقِه بالدفع الى تخصيص رئيس الجمهورية بحصّة وزارية، إنّما يُراد لهذا الرئيس ان يَخرق الدستورَ، فيما النص الدستوري يقول أن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بمهمّاته إلّا في حالتي خرقِ الدستور والخيانة العظمى، في حين انّ رئيس الجمهورية ومن موقعِه الحَكَمي يستطيع ان يكون «بَي» الوزراء جميعاً لمناسبة وصفِه بأنه «بي الكل»، بمعنى انّ رئيس الجمهورية من موقعه الحَكَمي هذا يستطيع ان يطلب التغييرَ والتبديل في الأسماء المرشّحة للتوزير متوخّياً الإتيانَ بوزراء يناسبون مصلحة البلد عموماً وليس لمصلحة هذا التيار السياسي او ذاك، او لتكبير حصّة هذا الفريق او ذاك، وفي هذه الحال يكون الرئيس «بَي الوزراء جميعاً، لا «بَي» الوزراء الذين يشكّلون حصته التي يريد البعض توريطَه فيها وجعلَه طرفاً في اللعبة السياسية يصبح عرضةً للسهام من هذا الفريق او ذاك، ويصبح تعطيل عملِ الوزراء عند كلّ محطة خلافية أمراً غيرَ مستغرب، لأنه عندما يَغيب الحَكَم أو يصبح طرفاً في اللعبة على طاولة مجلس الوزراء يفلت الأمر وتكبر المشكلات.

بمعنى آخر إنّ الرئيس بحَكَميته يستيطع ان يمونَ على هذا الفريق او ذاك في تغيير اسم هذا الوزير او ذاك، او إسناد هذه الحقيبة الوزارية بدلاً من تلك لهذا الوزير او ذاك، إذا تبيّن له انّ مؤهّلات هذا الوزير غير كافية او لا تتناسب الحقيبة التي سيتولّاها.

رئيس الجمهورية كـ«بَي الكل» بمفهوم «الطائف» والدستور، هو الحَكَم بين الجميع وبين المؤسسات، وليس صاحبَ «كوتا» وزارية يُحرّكها يميناً أو يساراً. ومن هنا يبدأ تصحيح تطبيق «الطائف» المُدستَر واستكمال تنفيذ ما تبَقّى منه.