IMLebanon

عن نظام قويّ بإنتاج الحروب الأهلية!

ليس الهيكل الأساسي للدولة بأزمة، بل الدور أيضاً. فالدور الأساسي للدولة في رعاية شؤون الوطن والمواطنين غائب.

لا دور للدولة في قيادة عملية الحفاظ على حدود الوطن، سوى الدور الذي يقوم به الجيش بما تسمح به قدراته، الى الدور المفترض في حماية الاقتصاد الوطني، وهو دور تخلّت عنه القوى الممسكة بالدولة وقرارها لمصلحة رأس المال المالي، من اصحاب المصارف والعقارات.

لا دور للدولة في حماية الثروات الطبيعية، فالماء مهدور، نتيجة الخلاف على الحصص في بناء السدود، وكذلك في الخضوع للتهديد الصهيوني وكذلك النفط معطل بفعل عدم اكتمال شروط المحاصصة.

أما التقصير ـ الجريمة الأكبر، فيكمن في تغييب الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية لمواطنيها، خصوصاً الفقراء منهم، بحيث أصبح هذا الغياب يطال مؤسسات الرعاية المكتسبة أصلاً وبشكل رئيسي الضمان الاجتماعي، فيما الرواتب مجمّدة عند الحدود التي أرادها «حيتان المال» السياسيون.

أما الدولة، فدورها محصور بقمع مَن يريد الاحتجاج على هذا الواقع والمطالبة بحقوق العمال والمستأجرين والموظفين والمعلمين والمتعاقدين والأجراء، بما فيهم الأجهزة الامنية، أي معظم الشعب اللبناني.

لم نذكر طبعاً، القضايا والخدمات الأساسية التي تشكل الحدّ الأدنى من واجبات الدولة ـ أية دولة ـ أي تأمين المياه والكهرباء وشروط النظافة، حيث أصبحت قضية النفايات مصدراً جديداً للنهب المنظم على حساب المواطن وصمته.

وليس خافياً على أحد أن النظام الطائفي تتوفّر حمايته من مصدرين، الأول، هو التوازن الإقليمي الضامن له والمشكّل حصصه. وهذا الضامن اليوم معطّل وإن كان المتصارعون الإقليميون متفقين على تحييد لبنان (حتى لحظة إعدام الشيخ نمر النمر). أما الثاني، فهو العوامل الداخلية وبشكل أساسي التحالف الطبقي الحاضن للنظام الطائفي.

هاتان الحمايتان تتعرّضان اليوم لاهتزاز، ولذلك تستنفر القوى الطائفية ورموزها «المعتدلة» من أجل حماية النظام واختصار الأزمة على مستوى مؤسسات الدولة، ومحاولة حل هذه الأزمات حتى لا تشكل تهديداً جدياً للنظام نفسه، وهنا يكمن خبث و «ذكاء» هذه القوى السياسية.

إن انهيار الدولة ومؤسساتها، وضعف الحماية الإقليمية، يشكلان جواً ملائماً لتغيير النظام، فهل نستفيد؟

ولعل إحدى مظاهر قوة النظام، أن الخلافات الكبيرة بين القوى السياسية المشكلة له لا تكون حول قضايا الناس، بل تنفجر وتستفز المشاعر المذهبية والطائفية، وتصل بالبلد الى حدود الحرب الأهلية أو إدخالها في آتون الاستقطابات الإقليمية.

لم نشهد هذا السجال حول القضايا التي أثارها الحراك الشعبي، وهي قضايا تهم الوطن والمواطنين ومنهم «رعايا» الأطراف المتراشقة الى حدود الاحتراب. ولم نشهد هذا السجال حول سلسلة الرتب والرواتب، بل شهدنا ائتلافاً لضرب الهيئات النقابية التي قادت التحرك حولها.

ولم نشهد هذا السجال حول الشلل في مؤسسات الدولة فالكل متفق على استمرار الشلل حتى الضوء الأخضر الإقليمي.

إننا من موقعنا المستقل والمقاوم، كنا دائماً في صف مقاومة العدو الإسرائيلي وضرورة الردّ عليه، خصوصاً بعد عملية اغتيال القائد الشهيد سمير القنطار وسنكون الى جانب الردّ على أي اعتداء إسرائيلي محدود او شامل.

ومن الموقع ذاته، كنا دائماً ضد أنظمة القمع، ضد الإعدام من حيث المبدأ وبشكل خصوصي كان موقفنا واضحاً مما أسميناه دائماً «ملكية آل سعود» الحليفة الطبيعية للعدو الصهيوني، مباشرة، او من خلال التبعية الكاملة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للراعي العالمي لهذا العدو، أي الولايات المتحدة الأميركية، وذلك منذ تأسيس هذه «الملكية».

والرعاية تشمل أيضاً الإرهاب، الذي يجد مصدره الأساسي في التحالف الديني ـ السياسي، الذي شكّل هذه «الملكية».

ونحن بشكل أكثر تحديداً نعتبر أن إعدام الشيخ النمر، يستهدف التقدم الحاصل لإنهاء أزمة سوريا. ذلك أن التوازن الموجود حالياً داخل سوريا وكذلك داخل اليمن والعراق لا يخدم حلاً يناسب «الملكية السعودية» وحلفاءها في العالم وفي الإقليم، ولذلك هي بحاجة إلى إعطاء زخم جديد للمشروع الأميركي، عبر تسعير الخلافات والصدامات على أساس مذهبي وطائفي، وخاصة على المستوى السني ـ الشيعي.

والاستهداف الآخر، من هذا الإعدام، ومن تسعير القضية المذهبية هي مساعدة العدو الصهيوني، الذي يواجه اليوم خطراً حقيقياً على مشاريعه يتمثل بالانتفاضة البطولية للشعب الفلسطيني.

في مواجهة هذه الاستهدافات، نحن لا نُنكِر على بعض الدول والقوى، حاملة الفكر الديني نفسه الذي يحمله الشيخ النمر، حقها في الاحتجاج والغضب. ولكننا نسجّل مجدداً، عقم مواجهة تعبئة مذهبية مشبوهة، بتعبئة مذهبية أخرى وإن كانت من موقع آخر وفي مجال رد الفعل.

هذه القضية، تثير حتماً مشكلة غياب القوى القومية، التقدمية عن الفعل في إطار مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وحلفائه.

لم يعُد كافياً ترداد المواقف المبدئية. بل أصبح ضرورياً العمل على صياغة البرنامج القومي التقدمي، واليساري بالأساس، في مواجهة المشروع الإمبريالي وفي التخلص من حال التشرذم أحياناً والناتج عن غياب البرنامج الموحَّد للأولويات.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني