تنتهي اليوم المهلة التي حددها رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، لإعادة هيكلة «الحشد الشعبي». و«الحشد» عبارة مجاميع عسكرية مستقلة بقياداتها وتنظيمها. وطبقاً للمرسوم المتفَق عليه من الرئاسات الثلاث فإن على «الحشد» أن يكون تابعاً للقوات المسلحة بقيادة القائد العام، دون ولاءات متعددة لأي قيادة سياسية أخرى. المرسوم تضمّن أيضاً منح الفصائل المسلحة الأخرى غير المرتبطة بـ«الحشد»، خيارين؛ التوجه إلى العمل السياسي، أو ستتم ملاحقتهم من الجهات الأمنية.
قرار رئيس الوزراء العراقي صائب، لحصر السلاح بيد الدولة فقط، وهو أمر طبيعي لحفظ سيادة الدولة وهيبتها ومسؤوليتها أمام النظام الدولي. لكن علينا أن نعود قليلاً إلى الوراء لفهم كيف تمت شرعنة وجود «الحشد الشعبي» وإطلاق يده في الأراضي العراقية. كان ذلك في عام 2015 ومن خلال البرلمان العراقي، الذي رأى أن قوات «الحشد» المدعومة من إيران بالسلاح والأفراد، هي القوة التي يمكن للدولة الاعتماد عليها للقضاء على تنظيم «داعش» الذي استولى على نحو ثلث الأراضي العراقية، ومنها احتلال الموصل المعروف في صيف 2014. ورغم دور الطائرات الأميركية الأساسي في القضاء على «داعش» داخل تخومه، ودور التحالف الدولي الذي أسسته واشنطن، والجيش العراقي، للقضاء على «داعش»، فإن قوات «الحشد» هي التي أخذت النصيب الأكبر من الدعاية الإعلامية بتصوير نفسها القوة المخلّصة. «الحشد الشعبي» فصائل مسلحة بولاءات مختلفة تدين في غالبيتها للمركز، وهو نظام الحكم في طهران، وتستمد شرعيتها من البرلمان العراقي، واستدامتها من وجود «داعش».
قبل نحو شهر، اقتحم مسلحون السفارة البحرينية في بغداد، وقاموا بتخريب المقر وإنزال العلم البحريني بحجة رفضهم استضافة المنامة ورشة تم فيها عرض الشق الاقتصادي لخطة السلام التي تعمل عليها الإدارة الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بعد أيام قليلة من هذه الحادثة، كشفت واشنطن أن طائرة الدرون التي استهدفت خلال شهر رمضان الماضي محطات ضخ أنابيب تابعة لشركة «أرامكو» في محافظتي الدوادمي وعفيف وسط غرب السعودية، انطلقت من العراق لا من اليمن كما ادّعت جماعة «أنصار الله» الحوثية. هذه المواقف التي ارتكبها «السلاح المنفلت» في العراق أحرج الحكومة العراقية، ودفعها إلى اتخاذ قرار إعادة هيكلة التنظيمات المسلحة بدمجها مع الجيش النظامي أو توجيهها للانخراط في العمل السياسي وفق قانون الأحزاب. لم يتجاوب مع هذا القرار علناً سوى مقتدى الصدر الذي أعلن انفكاكه عن فصيل «سرايا السلام» الذي قام بتشكيله إبان الحرب على «داعش».
المتغير اليوم، هو ظهور «داعش» المفاجئ وهجومه على حقول نفطية في محافظة صلاح الدين. وهو الهجوم الأول منذ إعلان الدولة العراقية تحرير أراضيها من التنظيم في عام 2017، وكشف المخابرات العراقية عن خطة واسعة للتنظيم كانت تستهدف بغداد وبعض محافظات الجنوب وإقليم كردستان.
لماذا عادت الحياة لتنظيم «داعش» بعد هذه السنوات؟ هل كان موجوداً ومتوارياً؟ أم تسللت عناصره مع اللاجئين القادمين من سوريا؟ أم تلقوا مساعدات وإسناداً من جهة ما؟ والسؤال الأبرز: ما الخطر الحقيقي الذي يهدد العراق ويقف في سبيل عودته لمحيطه العربي وإنعاش اقتصاده وتنميته.. هل هي التنظيمات المسلحة المدعومة من طهران أم «داعش»؟
لا شك أن العراق يواجه تهديدات أمنية كبيرة، ورغم أنه في أفضل حالاته منذ سقوط نظام صدام حسين، من جهة علاقاته العربية والدولية، فإن الحالة الأمنية تراوح مكانها ما بين التنظيمات المسلحة المتطرفة الشيعية والسنية. لا أريد أن أقول إن سبب ظهور «داعش» المفاجئ هو محاولة إعادة الهيبة والحاجة إلى قوات «الحشد الشعبي»، ولكن الإجراءات التنفيذية التي أعلنتها حكومة عبد المهدي مؤخراً تتلخص في غلق مقرات قوات «الحشد» وإخراجها إلى معسكرات بعيدة عن المدن، وهذه الإجراءات تختلف عن نص المرسوم الرئاسي الذي كان يحتّم على قوات «الحشد» أن تأتمر بأمره بصفته قائد القوات المسلحة. المقرات البعيدة التي تنوي الحكومة إبعاد قوات «الحشد» إليها ستزيد من نفوذها ولن تقلصه كما يعتقد، لأنها ستشكل معسكرات خارجة عن الدولة وبعيدة عن أعين الدولة. اليوم تقول الفصائل المسلحة الشيعية إن الدولة في خطر بعد استعادة «داعش» قدراته الهجومية. وبالتالي من المستبعد أن يتم تحجيم قوات «الحشد» أو تحييدها، لكنه يوضح مدى ترابط المصالح بين التنظيمات المتطرفة، وأنها تشترك في أهداف واحدة، أهمها عملها ضد سيادة الدولة.
في الواقع، كان من غير المتوقع أن ينهي رئيس الحكومة نفوذ «الحشد الشعبي» من خلال مرسوم، لأن الحضور الإيراني في المشهد أكبر من قدرة الرئاسات الثلاث على اتخاذ قرار بهذا الحجم وتنفيذه، لكن يظل العراق بظروفه المعقدة محل تفهم الدول العربية خصوصاً المجاورة، لكن الذي لا يمكن تفهمه ولا قبوله أن يكون العراق أرضاً لاستهداف جيرانه، مهما كانت المبررات