IMLebanon

لمصلحةَ منْ التضييق على المصارف؟

بعيداً من الوضع الامني المستقر نسبياً، والوضع السياسي الذي لم يعرف استقراراً منذ زمن بعيد، لعل من الضرورة بمكان الالتفات الى الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان. والاكثر ربحاً وانتاجاً حالياً هي المصارف التي تعيش حالا من التضييق وتعاني قوانين متشددة لا تشمل مصارف مماثلة في دول عربية أو أجنبية. وهي قوانين تضغط للحد من السرية المصرفية التي ميزت القطاع على الدوام وجعلته ثانياً بعد أولية النظام السويسري. واليوم تخضعنا الولايات المتحدة لنظام “فاتكا” بذريعة ملاحقة الاميركيين المتهربين من الضرائب، علما ان الامر ليس من مسؤوليتنا في علاقة تخص دولة بمواطنيها. فماذا لو طالبنا باجراءات مماثلة لملاحقة لبنانيين في الخارج؟ هل تفتح لنا الخزينة الاميركية كل الملفات والحسابات؟

ثم إن الاجراءات الدولية منعت الاموال السورية الهاربة من جحيم الحرب، من ان تحط رحالها في البلد الاقرب، فلجأ المتمولون السوريون الى القاهرة ودبي ومدن أخرى، ولنا الحق في ذلك، خصوصا أننا الاكثر تأثراً بالنتائج السلبية لتلك الحرب الدائرة منذ خمس سنوات. فلبنان يضم حالياً مليوناً ونصف مليون لاجيء سوري قصّر المجتمع الدولي حيالهم، ويتحمل العبء الاكبر لاقامتهم من حيث استهلاك البنى التحتية المهترئة أصلاً، اضافة الى التنافس على الوظائف الاكثر تواضعا والتي يعتاش منها عدد كبير من العائلات اللبنانية.

وها هي المصارف ترزح أيضاً تحت عبء مكافحة الارهاب، فتحظر عليها واشنطن فتح حسابات، بل تحملها على اقفال اخرى تمتّ بصلة الى نواب أو وزراء ينتمون الى “حزب الله” تحديداً، وصولاً الى فروع هؤلاء وأقربائهم، الى حد اتهام مجموعات من المقاولين والتجار اللبنانيين في الخارج بتمويل الحزب والتضييق عليهم، ومنعهم من تحويل أموال الى مسقطهم، وأحيانا من دون إثبات حقيقي.

كل لبناني صرف ضد الارهاب ومع مكافحته، ومع محاربة تبييض الاموال، والحد من اموال المخدرات، لكن المجتمع الدولي يدرك جيداً امرين:

أولهما أن التضييق بات يشمل المصارف واللبنانيين كافة، وفي هذا ظلم معمم، وتناقض مع الادعاء المستمر لدعم لبنان، والحرص عليه من الانهيار الامني والاقتصادي، من دون مده بمقومات الاستمرار والصمود. فالقطاع المصرفي جزء أساسي من هذا الصمود، والاقتصاد المعافى ضروري ليتمكن المواطن من كسب لقمة عيشه في الحد الادنى، فلا يستسلم للافكار الغريبة ويرضخ لارادات المافيات والتنظيمات المتشددة.

والامر الثاني ان محاربة الارهاب لا تكون بخنق الاقتصاد، بل بالعكس تماما، لان الاكثر حاجة هم الاكثر خضوعا لمنطق الارهاب والقتل والانتحار. وان القوة أيضاً لا تنفع الا في تشتيت مجموعات كبيرة وتفريقها، لكنها سرعان ما تبرز في أوكار أخرى. فمحاربة الارهاب تتطلب وضع خطط طويلة الامد لا تقوم على السلاح والحروب التي لا تولّد إلاّ مزيداً من الارهاب.

في واشنطن حاليا وفد مصرفي لبناني يؤكد التزام لبنان الاجراءات الدولية، وتحديداً الاميركية، لانه يدرك جيداً ان أي عقوبة تصدر في حقه يمكن ان تزعزع اسسه، وتقطعه عن المسارات العالمية، فتخنقه. ولكن في المقابل، على الادارة الاميركية وحليفاتها في المنطقة ان تدرك جيدا ان لبنان جزء من المنظومة الدولية وله دور يضطلع به في هذا الاطار، والمحافظة عليه واجب اخلاقي أولاً، وضرورة لئلا يتحول، كما ترى واشنطن ودول عربية، محمية ايرانية أو قاعدة للارهاب.