«استراحة» رئاسية «مؤقتة» حتى هدوء العاصفة الإقليمية
معارضو مبادرة سعد الحريري الرئاسية، قلبوا صفحتها وباتوا يعتبرونها ميتة، وان اسباب اعادتها الى الحياة انعدمت نهائيا. ومع ذلك ما زال القلق يطرق باب الرابية ومعراب، وقرّبهما من اتخاذ خطوة هجومية كبرى، بتبني سمير جعجع ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
في المقابل، هناك «منطق سياسي ورسمي»، يرى ان المبادرة لم تمت وإنما هي في الغيبوبة. أما مدة وقوفها في الغيبوبة، فهي رهن بنضوج ظروف ايقاظها في وقت ما لاحقا، والتي قد تجعلها نواة لمبادرة رئاسية جديدة، وربما بشروط ومواصفات جديدة.
وللمتحمسين للمبادرة قناعتهم بأنها لم تمت، التوصيف الحقيقي لحالها هو انها في»استراحة»، فرضها التوتر السعودي ـ الايراني الذي لفح الداخل اللبناني.
ولكن، والكلام للمتحمسين، قد لا تطول فترة «الاستراحة» هذه، فهناك مؤشرات جدية، اقليمية ودولية، عن توجه سعودي ـ ايراني محصن دوليا، الى احتواء التوتر بينهما.
وكما انسحب التوتر الاقليمي على لبنان وفرض سحب المبادرة الرئاسية من التداول، يضيف هؤلاء، سينسحب تراجع التوتر على لبنان حتما (وها هي الاطراف المعنية كلها قد ضبطت ايقاع خطابها السياسي تحت سقف الاستقرار)، وبالتالي سيفرض اعادة المبادرة الى الطاولة مجددا، وستشكل حتما عنوان التسوية الداخلية، لأنها من جهة، محصنة بدعم داخلي لا بأس به وبدعم عربي ودولي واسع، ولأنها من جهة ثانية، الوحيدة المطروحة جديا على الطاولة ولا وجود لتسوية بديلة.
هل يعني ذلك احياء فرصة انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية؟
لا يرى المتحمسون مفرا من اعادة احياء هذه الفرصة: المبادرة قدمت فرنجية على انه «نقطة جمع وتقريب»، وبالتالي، لو تم انتخابه في هذه المرحلة، لتحقق ما يلي:
ـ تحصين البلد امام عواصف المنطقة المفتوحة على كل الاحتمالات.
ـ إراحة البلد على كل المستويات الداخلية. تنفيس الاحتقانات، كسر التوترات، وتضييق مساحة الانقسامات. صحيح ان هناك وعيا سياسيا لدى كل الاطراف ولا رغبة لأي طرف في الدفع نحو الاشتباك، ولكن في الوقت ذاته فإن وجود فرنجية في موقع رئاسة الجمهورية من شأنه ان يشكل شبكة امان اكبر للبلد وضمانة لاستقراره.
ـ بدء الخطوات العملية والجدية لاعادة الحياة الى المؤسسات.
ـ بدء الخطوات العملية لاعادة انتاج الدولة، بتحقيق «السلة الاصلاحية» المطلوبة، بدءًا بتأكيد مبدأ الشراكة في الحكم والقرار بين المكونات اللبنانية، وبقانون انتخابي يحفظ عدالة وصحة وسلامة التمثيل لكل اللبنانيين، وليس على حساب اي من اللبنانيين.
قد يكون هناك من يرى ان في الامكان تحقيق هذه السلة قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وقد يكون محقا، الا ان ذلك قد يتطلب وقتا طويلا لتحقيقه، هذا اذا تحقق، ولكن يمكن لفرنجية ان يكون عاملا مساعدا ودافعا نحو انتاج هذه «السلة» في بداية العهد.
السيّئ في رأي المتحمسين، كان تضييع هذه الفرصة، والأسوأ كان التشويش والاساءات الشخصية لفرنجية، تارة باتهامه بتقديم «التزامات وهمية»، وتارة أخرى باتهامه بالتخلي عن «8 آذار». في الاساس، والكلام للمتحمسين، فرنجية لا يخلع ثوبه، وعندما طُرح اسمه من قبل سعد الحريري لرئاسة الجمهورية، طُرح من موقعه في صلب «8 آذار». وشعاره الواضح والمعلن انه بعد الرئاسة مع ان تلتقي «8 آذار» و «14 آذار» وكل الآخرين، في منتصف الطريق.
اما في ما خص ما حكي عن التزامات، فيمكن ان يلخص لقاء باريس بين الحريري وفرنجية بما يلي:
ـ التزم فرنجية في لقاء باريس بانه لا ولن يطعن في الظهر.
ـ تضمن لقاء باريس مسألتين اساسيتين: سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية .. وحكومة وحدة وطنية.
ـ خلافا لكل ما قيل، لم يطرح الحريري نفسه كرئيس لحكومات العهد، واكثر من ذلك، لم يطرح نفسه رئيسا لحكومة اول العهد، وان كان من الطبيعي ان يكون الحريري، بما ومن يمثل، هو رئيس الحكومة بداية العهد.
ـ تكلم الحريري وفرنجية في كل الامور والملفات الداخلية، لكن لم يتم الاتفاق بينهما على شيء، ولم يلتزم فرنجية بشيء لا حول قانون انتخاب ولا حول ما قيل عن تعيينات او تعديل قوانين او ضرائب قيمة مضافة او طريقة حكم، او غير ذلك مما جرى تداوله في لبنان، فهو يدرك ان ليس في الامكان الالتزام بشيء بمعزل عن الشركاء الآخرين في البلد. وحتى لو تم التزام بأي امر بمعزل عن الشركاء، فهذا معناه فتح مشكل مسبق ومجاني مع كل الآخرين، وبالتالي كيف تقدم على التزام لا تستطيع ايفاءه ولا تستطيع إلزام الآخرين به بل تستفزهم فقط؟ ما حصل هو ان كل الامور طرحت على الطاولة، وتم الاتفاق فقط على خلق اجواء ايجابية في البلد للبت بكل هذه الامور.