IMLebanon

لهذه الاسباب يزور عون سوريا….

تعكف بعض الأوساط على قراءة المرحلة اللاحقة لزيارة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة إلى الخليج العربيّ، وبخاصّة إلى المملكة العربيّة ودولة قطر، وتذهب بالقراءة إلى محاولة استشراف مواقف الأطراف كافّة بحال قرّر رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة زيارة دمشق كما زار الرياض والدوحة وحظيت الزيارة بإجماع لبنانيّ.

وتتجلّى تلك القراءة من خلفيّات واضحة تعبأ بالنيّات الملتبسة، محاولة إسباغ حالة من التشكيك على إمكانية حيازة رئيس الجمهوريّة إجماعاً آخر يحيط لزيارة المحتملة لدمشق وبخاصّة للرئيس السوريّ بشّار الأسد. تأخذ أوساط قريبة من الرئيس، هذا الالتباس القائم عند من يحاول اللعب في بالنار، في ظلّ مناخات إيجابيّة وطيّبة، معتبرة انّ زيارة الرئيس للخليج العربيّ زيارة رئيس جمهوريّة لبنان كلّه للعاهل السعوديّ الملك سلمان، ولأمير دولة قطر الشيخ تميم، وبالصفة عينها سيزور العماد عون عواصم الدول كافّة ومن بينها دمشق.

وتشير تلك الأوساط القريبة من الرئيس، الى أنّ زيارات الرئيس لتلك الدول ليست مجرد زيارات بروتوكولية تأتي بعد انتخابه، بل تنطلق من معطى استراتيجيّ دقيق يحتسب فيها باستشراف واقعيّ علامات الأزمنة بالربح والخسارة، ويستنتج ما يفيد بها لبنان، ويجعله مادّة للحوار مع من يلتقيهم ليعزّز موقف لبنان بالتفاعل والانفتاح على المراحل المقبلة، مع الأخذ بعين الاعتبار حتماً أنّ ما كان سائداً بالأمس ليس كما هو سائد اليوم وغداً. فالظروف جميعها تغيّرت بحكم التبدّل في ميزان القوى الخارجيّة والإقليمية والعربيّة، وبحكم أيضاً ما حدث من تبدّل ليس على مستوى الإدارة الأميركيّة بل على مستوى القراءة الأميركيّة للمنطقة الملتهبة بأسرها من الخليج العربيّ إلى المشرق العربيّ، وانعكاس كلّ ذلك على موقع الرئيس السوريّ بشار الأسد بنوع خاصّ في سوريا ضمن مفهوم الحرب على الإرهاب ومن ثمّ رعايته كرئيس للجمهوريّة السوريّة للتسوية السياسيّة في سوريا وتجسيدها بحال نضوج خطوطها ومفاهيمها وبنودها إثر انتهاء المفاوضات بين الدولة والمعارضة.

وتعتبر تلك الأوساط أن زيارة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون إلى سوريا لا تستند فقط على تلك النتائج، فالرئيس قبل الرئاسة وبعد انتخابه رئيساً لم تنقطع علاقته البتّة مع الرئيس بشّار الأسد وهي تمتاز بصداقة شخصيّة، وكلاهما يعرف أنّ المعطيات الحالية والمستقبلية بالنتائج وبفعل النضال الجامع فيما بينهما كرستهما مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، أسساً تترمم عليها العمارة المشرقيّة الجديدة في تعميم التلاقي المسيحيّ- الإسلاميّ أو الشراكة المسيحيّة – الإسلاميّة بوجه التطرّف والحركات التكفيريّة. فالرئيس وبحسب تلك الأوساط أيضاً، أعلن خلال زيارته للمملكة، وفي مباحثاته مع الملك سلمان والمسؤولين فيها أنه وبمقدار شعوره بضرورة الانفتاح على المملكة وعودة العلاقات إلى صفائها الموضوعيّ وجوهرها التاريخيّ، فهو بدوره لن يعصم نفسه عن لعب دور إيجابيّ يساهم في ترطيب الأجواء بين الرياض وطهران، وبين الرياض ودمشق وترتيب العلاقة المحوريّة في لحظات مقبلة وجديدة تعيد الجميع إلى أجواء الرضى والتفاهم والتعاون، لكنّه في المقابل لن يعصم نفسه عن دعم سلاح المقاومة في مواجهة إسرائيل، كما هو ملتزم بتحقيق الحرب الاستباقيّة التي يخوضها حزب الله في سوريا بوجه القوى التكفيريّة أهدافها، وهي تشكّل خطرًا وجوديًّا على لبنان مثلما هي خطر وجوديّ على المنطقة العربيّة كلّها، وهذا ما عبّر عنه في خطاب القسم، غير أنّ الزيارة بحدّ ذاتها، وكما قال الرئيس بصورة مباشرة ستحمل الصداقة إلى الشعب السعوديّ، وتبدّد الالتباس الناشئ في العلاقة مع المملكة من باب التصويب والانفتاح والمحبّة.

وتشدّد الأوساط القريبة من الرئيس بأنّ رئيس الجمهوريّة، يملك القدرة بعقله الاستراتيجيّ وحسّه الرؤيويّ على تدوير الزوايا، ويأمل بالتالي، أن يوفّق بأن يحوّل لبنان إلى جسر للتلاقي العربيّ-العربيّ خلال عهده، فتلك مصلحة للجميع، ومصلحة الجميع أنّ يدركوا بأنّ مكافحة الإرهاب واقتلاعه من جذوره واجب قوميّ وسياسيّ وأخلاقيّ، واجب مسيحيّ وإسلاميّ، حتى تعود العلاقات إلى نمطيّة التوازن المطلوب. فالعلاقة وبحسب تلك الأوساط لا تبلغ كمالها وصلاحها إلاّ من هذه الزاوية. وتذهب تلك الأوساط إلى الاعتقاد بأنّ للبنان مصلحة في استعادة دور محوريّ كان قد تميّز به وجاء في لحظة سمي بالعهد الذهبيّ، وفقد حين خدش استقراره على كلّ المستويات إلى ان بطل وجوده بالمطلق. الاستقرار الداخليّ يؤهّل لبنان للاقتحام لا للاختباء، وهذا ما سيقوم به رئيس الجمهوريّة خلال عهده بناء على مجموعة معطيات متوافرة ومنغرسة في أرض الواقع السياسيّ اللبنانيّ والمحليّ والإقليميّ والدوليّ.

وتعود تلك الأوساط للحديث عن زيارة الرئيس إلى سوريا، لتؤكّد على مجموعة مسلّمات:

1-إنّ زيارة رئيس الجمهوريّة إلى دمشق ولقاءه بالرئيس بشّار الأسد، تنطلق من فاعليّة اللحظة وتوازنها في علاقة لبنان العربيّة. وسيؤكّد الرئيس عون رؤيته من خلال المباحثات أو من خلال كلمة لبنان في القمّة العربيّة المقبلة في عمّان. «لبنان يمتاز بعلاقته العربيّة، وله مصلحة في التفاعل مع الجميع». وفاعليّة اللحظة، تتعنون بأنّ لبنان ليس على الحياد فيما خصّ الحرب على الإرهاب وهو ملتزم بها وفقًا لمقررات جامعة الدول العربيّة، ووفقاً شعوره بخطورتها، وطالما سوريا الدولة تحارب الإرهاب فهو معها في هذه الحرب.

2-تمتاز العلاقة اللبنانيّة – السوريّة بأنّها مدوّنة بنودها في معاهدة الأخوّة والتعاون بين البلدين المقررة بتاريخ 05-11-1989 وهي موجودة في اتفاق الطائف، ولم يقم أيّ من البلدين بإلغائها، وفي الوقت عينه ثمّة تمثيل دبلوماسيّ بين لبنان وسوريا احترامَا لسيادة كلّ من البلدين. لا يعني ذلك أنّ العلاقة ستعود إلى صفتها وطبيعتها الاستباعيّة كما كانت وهذا بات مرفوضاً من الطرفين، لكنّها ستكون متوازنة بدورها وتتجوهر بتجانس موضوعيّ يحتمّه التاريخ والجغرافيا، من دون إلغاء لخصوصيّة البلدين مع الأخذ بعين الاعتبار أن طبيعة سوريا النظاميّة ستتغيّر حتمًا نتيجة للمفاوضات السياسيّة التي ستفضي إلى مشاركة الجميع ضمن حكومة واحدة وكتابة دستور جديد، من دون تعديل يذكر على موقع الرئيس.

3-لا يمكن عصم العلاقة بين البلدين عن نسيج عائليّ وتاريخيّ يجمع العائلات ببعضها كما يجمع المناطق أيضًا ببعضها ولا سيّما تلك الحدوديّة منها، وهذا له تأثير كبير في التحفيز على استمراريّة العلاقة وتطويرها بما يتناسب وخصوصيّة كلّ من البلدين.

4-سيضع الرئيس نصب عينيه، خطّة واضحة لإجراء مصالحة تاريخيّة بين رئيس الجمهوريّة السوريّة بشار الأسد ورئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري بناءً على معطيات متحرّكة من مبدأ كبير وهو الحرب على الإرهاب، وترطيب العلاقة بين سوريا والقوات اللبنانيّة، وبخاصّة، أنّ الحكومة اللبنانيّة تجمع في رحابها الأطياف اللبنانيّة، وللرئيس مصلحة بالغة في الوصول إلى مساحة واسعة بترتيب بنود تلك المصالحات بفعل علاقته الشخصيّة مع الرئيس الأسد وهي مبنية على عنصر الثقة مع صداقة قويّة ومتينة تجمعهما. وبرأي تلك الأوساط هذا عامل مساعد وداعم للوصول إلى تحقيقها مع اكتمال عناصرها وبزوغ شمس ظروفها.

5-فكما أن للبنان مصلحة كبرى في إعادة العلاقات الاقتصاديّة والماليّة والسياحيّة مع المملكة، فإنّ له مصلحة كبرى أيضًا، بسبب الموقع الجغرافيّ باستمرار العلاقات التجارية والاقتصاديّة بينه وبين سوريا. وقد دلّت التجارب ان الاهتزاز في ميزان العلاقة أدىّ إلى خسارة لبنان جزءاً من مداخيل كانت تعود عليه بالفائدة والخير. فسوريا بموقعها الجغرافيّ هي المدخل الاستراتيجيّ التجاريّ بين لبنان والعالم العربيّ والأوروبيّ حتّى.

6-وأهمّ مسلّمة بل أخطرها تبقى بالنسبة للبنان إيجاد الحل لمسألة النازحين السوريين بحسب تلك الأوساط، فهي قنبلة موقوتة وبإمكانها أن تنفجر في أيّة لحظة حين تتوفّر لها الظروف الموضوعيّة والبيئة الحاضنة كما توفّرت للفلسطينيين. وتعتقد الأوساط القريبة من الرئيس بأنّ هذا الملفّ لن تتوفّر له أرضيّة الحلّ بلا تلاق وتعاون وتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسوريّة، وبين الأجهزة الأمنيّة في كلّ من البلدين. العلاقة المباشرة توفّر البيئة الكاملة والوعاء الواسع لإيجاد صيغة حلّ لهذا الملفّ الخطير للغاية. والرئيس لن يألو جهدًا في توفير المناخات الطبيعيّة لتكوين هذا الحلّ.

من أجل كلّ ذلك سيزور رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون رئيس الجمهوريّة السوريّة بشار الأسد كما زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وكما زار أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، وكما سيزور رئيس الجمهوريّة المصريّة عبد الفتاح السيسي وكما سيزور دولاً أوروبيّة وإيران. وتلك سياسة متبعة خلال العهد لخير البلد واستقراره وسلامه.