أصحاب النظرة المتشائمة إلى الأوضاع اللبنانية باتوا بحاجة إلى مجهود فكري ضخم لتثبيت منطق تشاؤمهم، فيما أصحاب النظرة المتفائلة يحتاجون إلى مجهود أقل، والسبب في ذلك يعود إلى أنَّ اتجاه الرياح في لبنان يميل إلى التفاؤل على رغم كل التهويل بالتشاؤم وبمنطق الحروب.
في حسابات التفاؤل والتشاؤم لا بدَّ من إيجاد نقطة انطلاق لتحديد المقارنة بين الحالتين. ونقطة الإنطلاق راهناً هي المقارنة بين ما كان البلد عليه السنة الماضية، في مثل هذه الأيام، وبين ما هو عليه اليوم، فماذا تكون النتيجة؟
النتيجة الأهم مشهدٌ لم يرَه اللبنانيون منذ إثني عشر عاماً، وهو بمثابة النجم في ساحة النجمة.
فاعتباراً من الثلاثاء المقبل، يعقد مجلس النواب جلسة عامة لانتخاب أميني السر والمفوضين الثلاثة وأعضاء اللجان النيابية، الحادية عشرة من صباح الثلاثاء في 17 تشرين الأول الجاري. وعندها تُرفع الستارة ليُطلَّ مشهدٌ غاب منذ العام 2004، إنه مشهد مناقشة الموازنة العامة للعام 2017 وهذه المناقشة ستمتد لثلاثة أيام، الثلاثاء والأربعاء والخميس، نهاراً ومساءً. والأهمُّ من كل ذلك أنَّ ثلاثية الموازنة ستكون مباشرة بالصورة والصوت على شاشات التلفزة والإذاعات، وهذا ما سيُعطي حيوية للجلسات خصوصاً أنَّ المشهد لم يره اللبنانيون منذ العام 2004.
إنَّه المدماك الأول في التفاؤل، فالإنتظام العام يبدأ بانتظام الخزينة، وهو ما سيتمُّ إنجازه الأسبوع المقبل، وبعد ذلك ينتقل الحدث إلى مجلس الوزراء لعقد جلسات ماراتونية لإقرار موازنة العام 2018، وهكذا يكون التفاؤل على الشكل التالي:
إثنا عشر عاماً من دون موازنة، ثم موازنتان في سنة واحدة، لا بل في شهر واحد.
لكن ما هو أهم من السرعة والإنضباط:
الشفافية… جيِّدٌ أن تتحقَّق كلُّ هذه الإنجازات بالسرعة المطلوبة، لكن ما هو أهم الأرقام المناسبة وفق الإحتياجات المناسبة، تماماً كما الشخص المناسب في المكان المناسب في التعيينات أو في التشكيلات أو في كل ما له علاقة بملء الشغور في المواقع الرسمية.
وبعد تفاؤل الموازنتين، تأتي العقدة الأساس لانتظام العمل السياسي في لبنان، إنها عقدة الإنتخابات النيابية. إنَّ كلَّ ما تحقق حتى اليوم قد يُنسَف من أساسه في حال لم يتجدد الدم النيابي في أيار المقبل، وهذا التحدي الأكبر أمام وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يضع نصب عينيه تحقيق الإنجاز الأكبر لهذا العهد من خلال:
إجراء إنتخابات نيابية وفق قانون جديد هو قانون النسبية، وذلك يحدث للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
ومن خلال هذا الإنجاز تنتظم الحياة السياسية والنيابية والنقدية في لبنان، وهكذا يكون منسوب التفاؤل هو المرجَّح.