أنطوان فرح
طغت النفايات على ما عداها من مشاكل يعاني منها البلد، لكن الأزمة الأخطر تكمن في مكان آخر، حيث تستعد مؤسسات التصنيف الدولية لاصدار لائحة جديدة من التصنيفات السيادية للدول. ويبدو ان لبنان مُرشّح للحلول ضيفاً ثقيلاً على فئة الـ(C) بما يعني اننا دخلنا في حقبة أكثر خطورة على مستوى الانهيار.
فيما يتخبّط المسؤولون بالنفايات، عينٌ على الشارع الثائر والمُستَغَل، وعينٌ على الوضع السياسي المهترئ، تنمو الأزمات الصامتة بسرعة، وتتكدّس المؤشرات السلبية، والتي يمكن تسليط الضوء على انعكاساتها الخطيرة من خلال الحقائق التالية:
اولا – لا يبدو ان لبنان، وفي حال استمرار الاوضاع على ما هي عليه اليوم، سوف ينجو من فخ السقوط في لوائح التصنيف السيادية الدولية من الفئة (B-) الى الفئة (C). هذا الامر سبق أن حذرت منه المصارف بعدما تبلغت معلومات سلبية حول هذا الموضوع من بعثات دولية تتابع الوضع اللبناني.
ومن المعروف ان مؤسسات التصنيف تعتمد مجموعة من المعايير في الوصول الى قرار التصنيف لكل دولة، من بينها معيار الثقة، الوضع السياسي، الوضع الامني، بالاضافة طبعا الى معايير رقمية تتعلق بمؤشرات الاقتصاد، والأفق المتاح في المرحلة المقبلة.
ولا يبدو ان لبنان بأوضاعه الحالية قادر على الحصول على نقاط جيدة. كل المعطيات في البلد حالياً، وقد أضيفت اليها أخيراً أزمة النفايات والشارع والشغب وشلّ الحكومة، تشير الى أقصى درجات السلبية.
من هنا، لن يكون مستغربا أن تُقدِم مؤسسات التصنيف على خفض التصنيف السيادي للبنان، بل العكس هو الصحيح، اذ سيكون مفاجئاً ان يحافظ البلد على تصنيفه رغم كل الصورة السوداء القائمة. وفي حال وقع الخفض، سوف ترتفع كلفة الاستدانة، وستكون المالية العامة في مأزق صعب.
ثانيا – بدأت مفاعيل خفض اسعار النفط، وانتشار الحروب الاقليمية، تظهر بوضوح في اقتصاديات دول المنطقة، وفي مقدمها دول الخليج. والى جانب سابقة اصدار سندات دين من قبل بعض هذه البلدان، في اشارة واضحة الى تراجع قدراتها المالية في استكمال موازنات العام الجاري، تفيد المعلومات من هناك، عن تأخير عام في السوق في تسديد الفواتير.
وفي العادة ينتج هذا الأمر عن تأخُّر الحكومات في تسديد مستحقاتها، وتتبعها المؤسسات الخاصة التي ترتبط مداخيلها بالانفاق العام للدولة. هذا الواقع ينبغي ان يدفع الى طرح علامات استفهام حول قدرة القوى اللبنانية العاملة في الخليج على الحفاظ على حجم الاموال التي يتم تحويلها سنوياً الى لبنان، وتشكّل العامود الفقري في عملية تمويل الاقتصاد الوطني.
ثالثا – تراجُع اداء كل القطاعات الاقتصادية، بما فيها القطاع الصناعي الذي كان يُفترض انه بعيد من التأثّر مباشرة بالأزمة. وتُبيّن الأرقام ان كل القطاعات تسجل تقلصاً في نتائجها.
رابعا – تُظهر أرقام المالية العامة ارتفاع الانفاق العام بنسبة غير مسبوقة، مقابل تراجع المداخيل. وسوف تقفل سنة 2015 على عجزٍ قد يتجاوز الخمسة مليارات دولار، برغم الوِفر الذي حققته الخزينة جراء تراجُع أسعار النفط والذي يُقارب الـ800 مليون دولار.
خامسا – الاستمرار من دون رئيس للجمهورية، ومن دون تشريع، وربما بحكومة شبه مشلولة، كل هذه المعطيات لن تساعد على تحسين الوضع، وسوف تزيد الضغوطات المالية والاقتصادية على البلد. وكلما طال الوقت واستمر هذا الوضع، كلما تراجع منسوب الثقة في الداخل والخارج.
من خلال هذه المعطيات السلبية المتفاقمة تبدو الاوضاع الاقتصادية في مرحلة دقيقة، والاتكال على المساعدات الدولية ليس في مكانه، خصوصا في ظل الأزمات التي تواجهها البلدان النامية، ومعها الاسواق العالمية بشكل عام.
ولا يزال القطاع المصرفي، والذي يعكس الوضع المالي العام، يشكّل ضمانة للوضع الاقتصادي. والمؤشر الايجابي في هذا الموضوع أن هناك مستثمرين يحاولون الدخول الى هذا القطاع، على غرار ما جرى مؤخرا على مستوى أحد المصارف الكبيرة، بما يعني أن هذا القطاع لا يزال يشكّل عامل جذب استثمارياً، كما أن مالكي الحصص في المصارف، بمن فيهم الاجانب لا يزالون يتمسكون بهذه الاستثمارات، ولا يوافقون على بيعها سوى بأسعار مرتفعة تعكس بطبيعة الحال الثقة القائمة بمستقبل هذا القطاع. وبما ان مستقبل المصارف هو من مستقبل البلد، يمكن خفض منسوب التشاؤم، على أمل أن يكون من يستثمر في المصارف على صواب.