على مسافة ايام من الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري، ووسط انجاز الاستعدادات الادارية والامنية الرسمية التي أطلقت عاصفة السباق العائلي والحزبي ، في بلد مشرع على شتى انواع الازمات، سحب «الاستاذ» فتيل التشريع مؤقتا من المداولات، متراجعا مع احتفاظه بهذا الحق في جميع الظروف، معيدا قانون الانتخاب الى مربع اللجان، «احتراما وحرصا على الجميع وعلى لبنان» المستعين بالتاريخ الانتخابي الواقف عند قانون الستين، دون ان تسعفه زحمة القوانين ال 17 المطروحة والمفصلة على قياس مزاجيات سياسية معروفة.
فالتشريع الذي اعاده بري «الى شباك اللجان النيابية المشتركة، يفتح مجددا ابواب التعقيدات والخلافات على مصراعيها بحسب مصادر نيابية، مع اقرار الجميع بان اللجان لن تصل الى توافق، بحيث ينتهي العقد العادي لمجلس النواب مع نهاية ايار دون ان يكون المجلس قادراً على انجاز القانون. وفي هذا السياق، تستبعد المصادر ان تتمكن اللجان النيابية المشتركة من احداث اي اختراق، معتبرة ان قانون الانتخاب اكبر وابعد من ان يُناقش داخل اللجان كأي قانون عادي اخر، اذ انه يحتاج اولاً الى «تفاهم سياسي»، قد يحتاج الى الكثير من التريث والانتظار.
ربط النزاع هذا، بحسب ما تكشف المصادر، يذهب ابعد من المخاوف من انفجار لا تحمد عقباه في ظل اصرار الكتل المسيحية الوازنة على المقاطعة، غير القابلة للتراجع عنها في المدى المنظور خصوصا ان اتفاق اللجان على قانون انتخابي واحد او تقليص عدد القوانين المطروحة غير وارد في المدى المنظور، اذ اتى أولا استجابة لطلب بيت الوسط من عين التينة، المحرج في التراجع عن وعده السابق بعدم حضور جلسات التشريع ما لم يقر قانون الانتخاب، متمنيا اعطائه المزيد من الوقت للقيام بالاتصالات اللازمة مع القوى المسيحية في الرابع عشر من اذار، والتي بدأها مستشاره غطاس خوري من معراب، تحت غطاء بلدي، وثانيا، بعد علامات الاستفهام حول مشاركة كتل مسيحية اخرى كتيار «المردة» وحزب «الطاشناق» والمستقلون، اما ثالثا، فلعدم رغبته بوضع حزب الله في مواجهة مع العماد عون، رابعاً الضغوط التي مارسها سفراء الدول الخمس الكبرى.
من هنا تجمع المقاربات على ان حجر الزاوية في قانون الانتخاب، لا يتصل بحجم الدوائر ونظام الاقتراع، بمقدار ما أن هذا الملف يشكّل ركيزة في «السلة المتكاملة» التي لن يكون ممكناً إتمام الانتخابات الرئاسية بمعزل عنها، وايضاً حجر الزاوية في عملية «إعادة تكوين السلطة» وتوازناتها التي يريد «حزب الله» أن يكون الاستحقاق الرئاسي مدخلها، بعد ارساء التفاهمات الاقليمية، اذ تردد شخصية نيابية بان قانون الانتخاب سيكون نتيجة الصفقة في المنطقة وعلى صورتها وليس رئاسة الجمهورية.
وليس بعيدا، تعتبر اوساط سياسية مراقبة أن التوصية الصادرة عن الهيئة العامة لمجلس النواب بعدم اقرار قانون الانتخاب في ظل غياب الرئيس، في مكانها، ويجب التمسك بها وعدم التخلي عنها، احتراما لصلاحيات الرئيس وموقعه. فللرئيس صلاحية مهمة وتناط به وحده وهي رد القوانين، وهذه المهمة الملقاة على عاتقه تجعله حكما وضابطا لايقاع اللعبة السياسية وساهرا على توازناتها. وتشير الى ان تخطي كلمة الرئيس وموقعه بخاصة في ملف حساس كقانون الانتخاب امر خطير، لا سيما في ظل غياب مجلس الشيوخ الذي تتكثف الدعوات الخارجية لانشائه، اذ يشكل «غرفة» لحفظ التوازنات في الدولة يحسم الامور بالنسبة للقضايا الوطنية المهمة ويصدق على القوانين بعد الاطلاع على دستوريتها وتوازنها الوطني ومصلحة الدولة العليا. واذا كان الرئيس يتولى هذه المهمة اليوم، فان دوره بعد انشاء المجلس المذكور سيتحول الى حكم يضبط عمل المجلسين ويسهر على انتظام عمل المؤسسات وحسن سير أمور الدولة.
للضرورة احكام وللتراجع عن التشريع ضرورات تحتم استمراره في الظروف كافة.هكذا انكفأ الرئيس نبيه بري تاركا الموعد معلقا،فاكا الارتباط بين الإستحقاق الرئاسي وقانون الإنتخابات، رغم التساؤلات عن القطبة المخفية وراء قراره بتطيير التشريع لامد غير قريب، في ظل صعوبة السير بدورة استثنائية، بعد نهاية ايار، تحتاج الى توقيع الوزراء الـ 24. فهل اخرجه المسيحيون كما تنبأ؟