مع إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، يشعر الرئيس نبيه بري بارتياح شديد، بعدما فاقت حصيلتها التوقعات المسبقة، سواء من حيث نسبة الاقتراع أو من حيث النتائج التي حققتها اللوائح المشتركة بين «حركة أمل» و«حزب الله».
سبب آخر للسرور الذي يغامر بري، غداة الانتخابات، وهو تخففه من أعباء تشكيل اللوائح وما رافقها من مفاوضات مضنية في البلدات والقرى، للتوفيق بين العائلات المتنافسة والمطالب المتعارضة والمصالح المتباينة والطموحات المتشابكة، حتى كاد المرء يعتقد للحظة أنها مفاوضات حول سلاح نووي أو كيماوي، وليس حول مجلس بلدي هنا أو مختار هناك، علما أن الذيول والآثار الجانبية التي ترتبت على التحالفات والخصومات تحتاج الى بعض الوقت قبل مداواتها نهائيا.
ويؤكد بري أمام زواره أن معدل المشاركة الشعبية في الانتخابات البلدية في الجنوب كان أكبر من المتوقع، مشيرا الى أن الإقبال على الاقتراع للوائح «حركة أمل» ـ «حزب الله» انطوى على رسالة بليغة من أبناء الجنوب، وفحواها تجديد الثقة في التحالف الثنائي.
ويلفت بري الانتباه الى أن نسبة الاقتراع تُعتبر كثيفة إذا أُخذت بعين الاعتبار الظروف المحيطة بها، والمتمثلة في فوز ما يزيد عن 40 بلدية بالتزكية، وغياب المنافسة الحقيقية في عشرات البلدات الاخرى حيث اكتفى مرشحون منفردون بمواجهة اللوائح المشتركة بين الحزب والحركة، وشعور الناس بالطمأنينة الى النتيجة والثقة في فوز اللوائح التوافقية مسبقا، الأمر الذي كان من شأنه أن يهدد بإضعاف حوافز المشاركة لولا تحسس الجنوبيين بالمسؤولية وبالمغزى الوطني ـ السياسي للانتخابات الى جانب بُعدها الإنمائي ـ العائلي.
وللدلالة على صوابية استنتاجاته، يشير بري الى أن معدلات التصويت كانت مرتفعة جدا ولامست أحيانا الـ70 و80 بالمئة في البلدات التي تحولت الى مسرح لمنافسة جدية، حفّزت الناخبين على النزول بكل ثقلهم الى الساحة لتأكيد رسوخ التحالف الثنائي وصلابته.
ويتوقف بري عند بعض المحطات المعبرة في الانتخابات، موضحا أنه كان يخشى على سبيل المثال من إقبال ضعيف على صناديق الاقتراع في صور، بعد التوافق على لائحة ضمّت مرشحين شيعة وسنة ومسيحيين ومن بينهم سيدات، لكن نسبة التصويت أتت جيدة، وهي كانت بمثابة اقتراع للعيش للمشترك كما للمجلس البلدي.
ويعرّج بري على مغدوشة، «التي لم تسلط عليها الأضواء بما فيه الكفاية»، لافتا الانتباه الى أن اللائحة المدعومة من النائب ميشال موسى حققت نجاحا باهرا في مواجهة اللائحة المضادة المدعومة من بعض الأحزاب، حتى بات يصح القول في البلدة إنها زهرة الزهراني، وإنها تستحق أن تكون العاصمة الثانية للكاثوليك بعد مدينة زحلة.
وصعودا في اتجاه جزين، يلاحظ بري أن المرشح ابراهيم عازار حقق وحده نتيجة نوعية، سواء عبر الخروقات التي سجلها في صفوف اللائحة المنافسة على مستوى الانتخابات البلدية، أو عبر العدد الكبير من الأصوات التي حازها في الانتخابات النيابية الفرعية، «وهذا كله من دون أن يحصل على دعمي بعد قراري بعدم التدخل في جزين».
ومع اقتراب الانتخابات البلدية من خط النهاية في انتظار استكمال المحطة الرابعة في الشمال الاحد المقبل، يترقب بري ما ستؤول اليه مبادرته التي أطلقها على طاولة الحوار الوطني لكسر الجمود السياسي وإنجاز الاستحقاقين النيابي والرئاسي.
ويوضح بري أنه سيكون مسرورا جدا إذا تلقى ردودا إيجابية على مبادرته قبل موعد الجلسة المقبلة من الحوار في مطلع حزيران المقبل، لكنه أوضح أنه لم تصله بعد أية أجوبة، ملاحظا أن معظم الأطراف تبدو من حيث المبدأ مستعدة للتجاوب مع مبادرته، إلا أن كلا منها يقاربها على طريقته ويفسرها من منظاره.
وملف الانتخابات البلدية إلى جانب مبادرة الرئيس بري كانا موضع بحث على مأدبة العشاء التي أقامها رئيس المجلس ليل أمس على شرف الرئيس سعد الحريري ومستشاره نادر الحريري في عين التينة.
لقاء الفاتيكان
على صعيد آخر، تمنى بري (رئيس «الاتحاد البرلماني العربي»)، ان «يؤسس اللقاء التاريخي الذي جمع بين شيخ الازهر الشريف احمد الطيب، والبابا فرنسيس لانعقاد مؤتمر عالمي مرجعي للسلام كنا ولا زلنا نسعى لأنعقاده لتحقيق نتائج ملموسة للحوار الإسلامي المسيحي، وكذلك لبحث السبل الآيلة للتخفيف من حدة الفقر والمرض والجهل والتردي الأخلاقي».