«خلط الاوراق» السياسية داخليا، لم يؤد الى خروج «الدخان الابيض» من الجلسة الخامسة والثلاثين لانتخاب رئيس للجمهورية، التحول الدراماتيكي في موقفي القوات اللبنانية، وتيار المستقبل، اللذين يتنافسان على انتخاب مرشحي فريق الثامن من آذار، لا يبدو كافيا لاتمام الاستحقاق، السبب واضح، هما لا يملكان «مفاتيح اللعبة»، قرار الرئيس سعد الحريري ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية «فجر» 14آذار من الداخل واضعف موقفها، والموقف الاقليمي والدولي، والتطورات المتسارعة على الارض في سوريا لا تسمح لهذا الفريق بفرض توقيت اتمام الاستحقاق، لكن اذا كانت هوية الرئيس اصبحت وراء الجميع ومجرد تفصيل، تبقى «السلة» المتكاملة لادارة شؤون الدولة في العهد الجديد هي ما تحتاج الى تفاهم شامل، تريد قوى 14آذار تمريره باقل الاضرار الممكنة، واقل التنازلات المتاحة، ولكن لا قرار سعودياً بالذهاب اليها الان، فيما لا تبدو ايضا قوى 8 آذار مستعجلة «لسلق الطبخة» لان ما يمكن الحصول عليه اليوم في رأيها «فتات» امام ما يمكن تحصيله مع تقدم الوقت في ظل انهيار المشروع الاقليمي الداعم للفريق الاخر انطلاقا من الساحة السورية، فما هي المعادلة القائمة اليوم؟
تلفت اوساط 8آذار الى ان المطلوب من الفريق الاخر وقف الرهان على الوقت والاقرار بسقوط خيار الانتصار في سوريا، والتواضع في تقدير القدرة على فرض شروط لم تعد متاحة، بعدما نجح «حزب الله» حتى الان في انتزاع اعتراف خصومه بانه «الناخب الاكبر» بعدما سلم له خصومه كامل «الاوراق» الرئاسية وذهبوا الى الاختيار بين حليفيه، فالتسليم بحصر الترشيح بمرشح رئاسي من 8 آذار يؤدي حكما الى فتح «باب» النقاش على مصراعيه على طبيعة ادارة المرحلة المقبلة، لكن تيار المستقبل يرفض ذلك حتى الان، ويريد تحقيق «ربح» معنوي من خلال محاولة فرض مرشحه الرئاسي، وتقديم نفسه بصفته «صانع» للرؤساء، وليس ملحقا «يبصم» على ما يريده حزب الله، ويريد كذلك تأجيل البحث في اي شيء يتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية مع حزب الله، وهذا ما يظهر بشكل جلي خلال جلسات الحوار الثنائية، وهو امر يتناقض مع ما حاول الرئيس الحريري انتزاعه من ضمانات خلال جلساته الباريسية مع رئيس تيار المردة، وهنا يطرح السؤال حول الحكمة من الاستمرار في «حرق» الوقت في مرحلة ينتظر ان تزداد الامور سوءا على حلفائه في سوريا ما سيسهل في المستقبل القريب تعزيز وضع حزب الله في لبنان، ليس فقط عبر انتخاب رئيس للجمهورية من حلفائه فقط، بل بما يتعداه الى امكانية فرض «شروط» سياسية تتعلق بمنظومة ادارة السلطة التنفيذية، وغيرها من شؤون ادارة السلطة في البلاد.
هذا الوضع السياسي الداخلي الصعب لفريق 14 آذار، يتقاطع ايضا مع وضع لا يقل صعوبة في الاقليم، وبشكل خاص على الساحة السورية، كان الظن ان التدخل الروسي يريد تحقيق التقدم اللازم للدولة السورية لتمكينه من إملاء شروط التسوية السياسية، وليس تحقيق نصر حاسم في المواجهة العسكرية، لكن في مقارنة بين شباط 2015 وشباط 2016، يتبين انقلاب المشهد برمته ففي العام الماضي خسر الجيش السوري إدلب ومناطق في حلب ووصل «جيش الفتح» إلى مقربة من اللاذقية، اما في الأيام الاخيرة، فقد أثمرالقصف الروسي الى تغيير جذري في ميزان القوى وباتت حلب على قاب قوسين او ادنى من السقوط والجيش السوري على مقربة من الحدود التركية، وتعزز ذلك بالمكاسب المهمة التي حققها الجيش السوري في اللاذقية وحماة وبلدة سلمى في محافظة اللاذقية وبلدة الشيخ مسكين مما أدى إلى استعادة الطريق السريع درعا- دمشق.
ومن الواضح ان ما يحصل اليوم سببه الرئيسي الخطأ الكبير في الحسابات الاميركية والقوى الاقليمية الاخرى التي راهنت على سقوط روسيا في «مستنقع» النزاع السوري، لكن موسكو لعبت بطريقة جيدة، فقد أقنعت الأردن بتخفيف دعمه للمعارضة في المناطق الجنوبية، وأدى إسقاط الأتراك للطائرة الروسية الى تداعيات سلبية، وفي الوقت نفسه تقربت روسيا من الأكراد حلفاء الولايات المتحدة، وحيدت إسرائيل، وسقطت بالتالي الآمال التركية باقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا. ومقابل الموقف الروسي في سوريا، هناك حالة «إفلاس» أميركية وبدا واضحاً في التحضيرات لمؤتمر جنيف ان وضعت أميركا ضغوطاً على المعارضة السورية أكثر من الضغط على الروس وقد أثر هذا المدخل في وضع المعارضة والإمدادات لمقاتليها في الجنوب والشمال. والجميع في المعارضة مقتنعون بأن الإدارة الأميركية لن تغير موقفها فيما تبقى لها من وقت، والحقيقة أن الإدارة تتعامل مع الوقائع فالتدخل العسكري الروسي قلب الميزان العسكري رأساً على عقب بشكل ادى الى تراجع الولايات المتحدة لان رد إدارة أوباما على التدخل الروسي العام الماضي هو انتظار فشله، وهذا ما ثبت عدم صحته، ومن هنا عندما اجتمع وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع رئيس وفد المعارضة السورية رياض حجاب في الرياض في 23 كانون الثاني كان واضحاً لإدارة الرئيس أوباما أن الموقف العسكري للجيش السوري أصبح قوياً وأن المعارضة باتت ضعيفة وباتت الفرصة لتحقيق انتصار حاسم ممكنة في ضوء الإستراتيجية الروسية ـ السورية.
ومن هنا فان رهان 14 آذارعلى تدخل سعودي – تركي بري في سوريا، سيكون ايضا رهانا على «سراب» لان هذا التدخل اذا حصل، لن يغير من الوقائع على الارض، وتاثيره سيكون محدودا، ومغامرة غير مضمونة النتائج، كما حصل في اليمن، لان الاميركيين ليسوا في صدد الذهاب بعيدا في دعم حلفائهم، والادارة الاميركية ابلغت من يعنيهم الامر بان سوريا ليست مهمة للأمن القومي الأميركي، ولذلك فهي ليست مستعدة للتورط العسكري الشامل خاصة أن القوى المعارضة لا يمكن الوثوق بها، والرأي العام والكونغرس ضد فكرة التورط العسكري واي خطوة ناقصة ستكون مؤثرة جداً في عام الانتخابات الرئاسية، وليس في نية الرئيس الاميركي باراك اوباما خوض اي مغامرة غير محسوبة يمكن ان تؤثر في حظوظ مرشحي حزبه، فيما الإستراتيجية الأوروبية باتت محصورة في البحث عن السبيل الاجدى لوقف موجات اللاجئين، دون الاكتراث لطبيعة الحكم في سوريا.
وامام هذه المعطيات المحلية والاقليمية، تبقى «الكرة» في «ملعب» ان لم تكن في «مرمى» الحريري ومن وراءه السعودية، فحزب الله يدرك ان المشكلة ليست في تمسك فرنجية بترشيحه، بل بتهديد «المستقبل» بعدم تأمين النصاب «الميثاقي» والقانوني لاي جلسة انتخاب، وهذا ما يعطل الاستحقاق الرئاسي، واليوم لا تبدو اجواء الرياض مهيأة لمنح حزب الله انتصارا مبكرا على الساحة اللبنانية عبر الافراج عن الرئاسة اللبنانية ضمن «باقة» تنازلات سياسية تمنحه «الجائزة الكبرى» في خضم اشتعال الجبهة السورية، فالاستخبارات السعودية لا تريد اقفال «الساحة» اللبنانية وتحييدها عن الاحداث من خلال تفاهم سياسي يزيد تحصينها، فهذا الامر لا يزال مبكرا في غياب اي تواصل جدي مع الايرانيين، والمصلحة السعودية اليوم تستدعي بقاء الوضع «الهش» قائما، في ظل بقاء الحاجة لاستخدام لبنان منصة للضغط على حزب الله حين تضيق الخيارات السورية وتكون الحاجة ملحة لاعادة هز الاستقرار، ومن هنا يمكن فهم عودة التحذيرات الجدية من عودة «مسلسل» التفجيرات، او انفلات الوضع الامني شمالا، او في المخيمات الفلسطينية، ومن هنا ايضا من المتوقع ان يأتي خطاب الحريري في ذكرى 14شباط خاويا وخاليا من مبادرة جدية يمكن ان تؤدي الى انفراج سياسي يؤدي الى انتخابات رئاسية تفتح الطريق امام تفاهم على طبيعة المرحلة المقبلة.