Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب… الفشل يُرافق مهمة دو ميستورا

تترقّب الأوساط نتائج الحراك الديبلوماسي والعسكري حول الأزمة السورية الموزّع بين طهران وموسكو وواشنطن لقراءة المرحلة المقبلة والتوقعات المحتملة التي تنحو الى مزيد من بحور الدم، وسط قلق من نشوء محاور دولية تعوق محاولات الموفد الدولي ستيفان دو ميستورا وتُبعد موعد إستئناف مفاوضات جنيف إن لم تجمّدها الى أجل غير مسمى. لماذا وكيف؟

لا تُجمع التقارير الديبلوماسية الواردة من نيويورك وطهران وموسكو وواشنطن إلّا على حجم الصعوبات التي تواجه الموفد الدولي الى دمشق ستيفان دو ميستورا في الوصول الى ما يسعى اليه من خريطة طريق سياسية للأزمة السورية على وقع العمليات العسكرية الجارية والتي تفصل بين كلّ جولة منها وأخرى عملية ترتيب وقفٍ للنار تمتد من 48 الى 72 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة او مرتين على الأكثر.

من هذه المعادلة ينطلق ديبلوماسي قديم واكَب من موقعه الحساس سابقاً سلسلة الحروب الإقليمية التي شهدتها المنطقة وعانى ما عاناه من انعكاسات الخلافات الإقليمية التي عكست في اسبابها وشكلها ومضمونها حجم الخلافات الدولية بسقفها الأعلى المتحكّمة فيها، فجعلتها مرآة صادقة لها. وهو ما يراه بوضوح عند مقاربته لجوانب من الأزمة السورية القائمة منذ خمس سنوات والتي زادت وضوحاً بعد التدخل الروسي العسكري الذي فاقم من حجم الخلافات الروسية – الأميركية وأولويات كلّ منهما في النظرة الى الوضع في سوريا والمخارج والحلول المقترحة لمستقبلها.

ويعترف الديبلوماسي العتيق أنّ تطورات الأزمة السورية وضعت دو ميستورا أمام واقع لم يستوعبه حتى اليوم، فهو يجهد في بناء أوراق العمل والخطط الدستورية والقانونية والعسكرية سعياً وراء المخارج للأزمة السورية لنقلها من مساراتها العسكرية الى الدبلوماسية والسياسية منها وكأنها أزمة ناشئة ما بين النظام السوري وحلفائه المحليين والإقليميين من جهة والمعارضة السورية ورعاتها الإقليميين من جهة أخرى.

والأخطر – يضيف الديبلوماسي – أنّ دو ميستورا يصدق أنّه يمتلك ضوءاً أخضر من موسكو وواشنطن لقيادة خريطة الطريق الى الحلّ، فإذا به يصطدم كل مرة بمستجدات عسكرية وأمنية وديبلوماسية تضيّع جهوده وفريق عمله المتنوّع الإختصاصات، بما فيه من خبراء سوريين محليين يستمع اليهم من وقت إلى آخر ومجموعة من أصدقائه الدوليين في لبنان والمنطقة اعتقاداً منه انهم خبراء في تاريخها القديم والحديث وأنه لا بدّ أن يكون لهم رأي في بعض المقترحات التي يجهد في تسويقها قبل أن تنهار خططه دفعة واحدة وبالضربة القاضية.

ومردّ هذا الفشل – يوضح الديبلوماسي – أنّ دو ميستورا لم يأخذ جدياً النتائج التي وصل اليها مَن سبقه الى هذه المهمة من الموفد العربي والدولي اللواء السوداني مصطفى الدابي ومن بعده الأمين العام السابق للأمم المتحدة الغيني كوفي أنان، علماً أنه يحتفظ في فريقه المقيم في سوريا بعدد كبير ممّن عاشوا تجربة الرجلين قبل رفع العشرة وعدم الإلتفات مرة أخرى الى الوضع في سوريا.

وبناءً على ما تقدم، يقول الديبلوماسي إنّ على دو ميستورا ترقّب نتائج المفاوضات الروسية – الأميركية بسقفها الأعلى قبل أن يسأل عن وكلاء الطرفين الإقليميَّين الموجودَين في طهران ودمشق وبغداد من جهة، وفي الرياض وأنقرة والدوحة من جهة أخرى. وقبل أن يتحقّق من تفاهم على هذا المستوى ليس عليه تضييع وقته في البحث عن صيغة سياسية لا يمكن وضعها بصيغتها النهائية إلّا في موسكو وواشنطن، وما عدا ذلك فهي مقترحات آنية تتعاطى بالعقبات الصغيرة في الملف السوري ولا تقارب لبّ المشكلة الحقيقية المتحكمة بالأزمة.

وإذ يؤكّد الديبلوماسي أنه لا يريد أن يتحامل على دو ميستورا أو أن يُسخّف من قدراته الديبلوماسية وخبرته في الأزمات الدولية، لكنه يلاحظ أنه يتعثر المرة تلو الأخرى نتيجة الخلافات بين موسكو وواشنطن مع حلفائهما، فهما يعانيان المشكلة عينها، ولم يصلا بعد الى مرحلة تتوحّد فيها رؤية الحلفاء الإقليميين لأكثر من سبب.

ويضيف أنّ ما يظهر الى العلن من خلافات بين موسكو وطهران حول الكثير من تفاصيل الأزمة السورية مردّه الى قلق طهران من بعض المواقف الروسية التي نتجت من خلال حوارها المفتوح مع تل أبيب أحياناً ومع واشنطن أحياناً أخرى، وهي تتوقع خطوات قد تغدر بها ليس على مستوى دور «حزب الله» في سوريا ومصير الرئيس السوري بشار الأسد فحسب، إنما على مستوى دورها هي في مستقبل سوريا الجديدة وما إستثمرته فيها مادياً وإقتصادياً وعسكرياً.

في المقابل، لم يظهر بعد أنّ واشنطن توصلت الى تفاهمات مع وكلائها وحلفائها الإقليميين. فملفات الخلاف مع تركيا والرياض تتراكم يوماً بعد يوم. وها هي رفضت وما زالت كلّ الطروحات السعودية والتركية وسمحت عقب مناورات «درع الشمال» بنقل وحدات سعودية وخبراء الى قاعدة انجرليك الجوية في تركيا، وما زالت تنتظر هناك ضوءاً أخضر للتدخل البري في شمال سوريا في وقت حرمت فيه تركيا من سعيها الى المنطقة الآمنة وحصار الأكراد ومنع توسيع سيطرتهم على الحدود السورية معها، وزاد الطين بلة أنها تبنّت بناء الوحدات الكردية تسليحاً وتغطية مالية وعسكرية وراحت تتساهل مع الروس في توسيع لائحة المنظمات الإرهابية بما فيها تلك المدعومة من الرياض.

ولذلك يختم الديبلوماسي أنّ على دو ميستورا وجميع المتعاطين في الملف السوري انتظار المشاورات الروسية – الأميركية وهي بخواتيمها باتت رهناً باستحقاقات الدولتين، الأولى تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة والثانية ستدخل قريباً مدار انتخاباتها الرئاسية، لذلك فإنّ سياسة الإنتظار لعبور هذه الإستحقاقات لدى الدولتين هي الحكمة في عينها.