IMLebanon

لهذه الأسباب إطلالة الحريري تستعجل التسوية – المخرج

 

شكّلت إطلالة الرئيس سعد الحريري مساء أمس الأول فصلاً بالغ الأهمية بين مرحلة وأخرى، فما بعدها هو غير ما قبلها بالتأكيد، ومضمونها فتح المجال أمام كثير من الأسئلة والملاحظات التي توحي أنّ البحث عن التسوية – المخرج ضروري وممكن. والى جانب ما أسقطته الإطلالة من روايات فقد فتحت الباب على أخرى. فما هي وما هو المتوقع؟

على رغم كل ما شهدته بيروت والرياض من تسريبات وروايات وسيناريوهات متناقضة منذ استقالة الحريري، فقد زرعت إطلالته امس الأول كثيراً من الشكوك في صحة كثير منها ودقتها، على رغم وجود اقتناع راسخ بالحد الأدنى لدى محبّيه ومعارضيه اّن الرجل لم يعش اياماً طبيعية، وانّ شيئاً ممّا رَوته المصادر المختلفة قد جرى تضخيمه او تحريفه واستغلاله الى الدرجات القصوى التي أرادها البعض عند مقاربته لِما سَبق هذه الإستقالة المُلتبسة ورافقها وتلاها.

هناك اقتناع لا يرقى اليه الشك بأنّ شيئاً ممّا تمّ تداوله كان صحيحاً الى درجة ما، وقد جرى التخفيف من وطأته أو تضخيمه على حدّ سواء. وقد بات واضحاً انّ بعضاً ممّا تَقرر في شأن رئيس الحكومة ومصيره قد تمّ التراجع عنه او جرى تعديله، لا فارق. وانّ المهم يكمن في الجديد الذي كشفته المقابلة بعدما جاءت في شكلها ومضمونها وتوقيتها لتوحي بكثير من الصدقية التي أنهت كثيراً من التشكيك المسبق من دون نفي الحد الأدنى ممّا تعرّض له.

فعلى عكس ما توقعه البعض او تمنّاه عن سابق تصور وتصميم، فقد كانت مقابلة مباشرة على الهواء ولم تكن مسجّلة ولا خضعت لـ«المونتاج السياسي» او «الرقابة السعودية» التي أوحى بها البعض. كما انها لم تكن مُعدّة سلفاً فمعظم الأسئلة نَبتت في ساعتها او استخرجَت من أجوبته، من دون التنكّر الى الجرأة التي عبّرت عنها بعض الأسئلة رغم الحذر الذي كان يمكن رصده، فدخلت في كثير من التفاصيل عند الحديث عن يوميات الحريري الـ8 التي أعقبت الإستقالة.

ويقول المتابعون انّ أحداً لم يكن ينتظر من الحريري ان يتجاوز بعض الخطوط الحمر، فإلى إشادته بالعلاقة مع العاهل السعودي وولي عهده كشف عن «الحسد» الذي يتعرّض له من جرّاء علاقته بهما، وتبنّى مضمون بيان الإستقالة، مؤكداً انه هو من كتبه بيده ومن بنات أفكاره، مجدداً تأكيد كثير من مضمونه، على أهميته، ولو بنحو أقل حدة، من دون مواربة، رافضاً تحميل السلطات السعودية مسؤولية ما جاء فيه نافياً عنه «النَفس السعودي».

وأضاف المتابعون انّ الحريري توسّع في المقابلة شارحاً بعض النقاط الحساسة والحَرجة في الإستقالة التي فاجأ بها الجميع، القريبين منه والأبعدين. مؤكداً أنه، وإن لم يكن يتداوَل بها علناً في بيروت، فإنها كانت من مهماته غير المعلنة لتجنيب البلد خَضّات ليس أوانها على الإطلاق.

وهو أمر لا يتنكّر له كثر يعرفون الرجل وقد شهدوا في مراحل عدة على يومياته ولقاءات مُغلقة أنه جهد في تغيير كثير ممّا حصل من تجاوزات، وخصوصاً على مستوى تطبيق إحدى مقومات التسوية وهي موضوع «النأي بالنفس»، والذي كان يهدد التسوية الكبيرة التي أنتجَت انتخاب الرئيس ميشال عون وكل ما شهده العهد في سنته الأولى للخطر.

فكان مصرّاً على التسوية بما حملته، مُجدداً المفاخرة بها وما أنجزته من هدوء واستقرار وإنتاجية حكومية. ولم ينسَ ان يجدد الثقة بها شرط احترام منطق النأي بالنفس الذي قادَ خروج الطرف الآخر عنه، وتحديداً بعض أهل الحكم و«حزب الله»، الى تفجير الوضع على النحو الذي شهدته الرياض أخيراً.

وبعيداً عن كل ما سبق، فقد ألقَت المقابلة الضوء على كثير من العوامل التي قد تؤدي الى متغيّرات بارزة، وأهمها:

– لقد نجحت تحركات رئيس الجمهورية وأهل السلطة في إلقاء الضوء على وضع الحريري من خلال التحرّك الديبلوماسي بعد طَي الجانب الداخلي من الأزمة وتهدئة الخواطر والشارع معاً.

– سقوط سلسلة من المقترحات التي تمّ تداولها، والتي تؤدي الى استقالته من الحكومة ومن رئاسة تيار «المستقبل» لمصلحة شخص آخر في العائلة، وهناك من يقول انه تمّ صرف النظر عنها نهائياً.

– بدء البحث عمّا يمكن تسميته التعديلات المقترحة على التسوية السياسية، التي أثبت تحرّك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومعهما «حزب الله» أنها متينة وقوية، وانّ ضربة من هذا النوع كان يمكن ان تقضي عليها لو لم تتضمن ما يكفي من عناصر القوة ومن الضمانات الخارجية والداخلية.

– إعادة ضبط الساعة الدولية على ضرورة حماية الإستقرار في لبنان، من خلال المواقف المتزامنة التي صدرت عن واشنطن وباريس وبرلين ولندن وموسكو والقاهرة وغيرها من العواصم الضامنة للوضع في لبنان، والتي شددت على «شراكتها» مع الحريري وأهل السلطة في لبنان، فكانت عامل قوة ضامنة للبدء بالبحث عن التسوية في صيغتها الجديدة التي سَتظلّل عودة الحريري الى بيروت في وقت تكتمل عناصرها، وهو أمر لم يعد بعيداً.

– التضامن الذي عَبّر عنه اللبنانيون فور وقوع الأزمة وما بين لبنان الرسمي ودار الفتوى وضبط ردّات الفعل التي كان يمكن ان تؤدي الى تفجير الوضع في مناطق حساسة من لبنان، ما جعلَ كل حديث عن الانفجار الكبير مجرّد كلام بكلام ولم تتوافر له اي أسباب، عدا عن وجود السلاح غير الشرعي في يد لبنانية واحدة غير شرعية ما يَنفي احتمال الصدام الدموي، خصوصاً بعد الحراك الذي ضمن هدوء المخيمات الفلسطينية ومراكز تجمّع النازحين السوريين.

والى كل هذه العناصر فقد أثبت أهل السلطة في لبنان انّ في إمكان البلاد تجاوز مثل هذه «الهزّة الكبرى» على خطورتها، في انتظار معرفة حجم التنازلات المطلوبة على مستوى الداخل من رئيس الجمهورية و«حزب الله» ومؤيديهما تحديداً للخروج من عنق الزجاجة، لتنتقل البلاد الى المراحل الدستورية والتي يمكن ولوجها في هدوء طالما انّ الحريري اعترف بأنّ ما اتخذه من إجراءات تتصل بالإستقالة لم تكتمل بعد، وأنها خارج ما يقول به الدستور والأعراف المعمول بها. فالتقى مجدداً مع اهل السلطة على ضرورة مقاربة الموضوع من زوايا مختلفة، ستبدأ ترجمتها فور عودته الى بيروت.

والى حينه لا بدّ للمطّلعين من إبداء الاقتناع بأنّ تطويق ذيول ما جرى ممكن، بإعادة الإعتبار لوضع الحريري ليستعيد حضوره على الساحتين الحكومية والحزبية في لبنان في مرحلة لاحقة. فمن المفترض ان يكون أهل الحكم في انتظاره مع قيادة تيار «المستقبل»، والساحة السنية بقياداتها الروحية والسياسية والحزبية تنتظر هذه اللحظة ليحسم الولاء له.

ولا يبقى عندها سوى معرفة ما سيقدّمه «حزب الله» ورئيس الجمهورية لاستعادة التوازن الذي اختَلّ على الساحة الداخلية، وإحياء التسوية الكبرى التي لا بد منها مرة أخرى، وإنّ غداً لناظره قريب.