تضج الساحة اللبنانية يومياً، وخصوصاً من فريق 14 آذار بتصريحات شبه يومية تطالب بتسليم حزب الله سلاحه والابقاء فقط على سلاح القوى الشرعية، ورغم التقدير الكامل لتضحيات الجيش اللبناني وجميع الاجهزة الامنية التي تقدّم شهداء على مذبح الوطن، الاّ ان هذا الملف وبحسب مصادر في 8 آذار يتطلّب الموضوعية والواقعية، فتعود تلك المصادر الى العام 1982 حيث اجتاحت «إسرائيل» نصف لبنان. فبالإضافة إلى الجنوب وبيروت تم اجتياح ضواحي بيروت وصولاً إلى الجبل (الشوف وعاليه) المتن الشمالي وكسروان وجبيل. وزعم آنذاك أرييل شارون وزير دفاع الكيان الصهيوني أنه يريد التخلص من منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها الرئيس الراحل ياسر عرفات.
في هذه الحقبة السوداء من تاريخ لبنان، تحالفت أوتلاقت مصالح بعض القوى والميليشيات المسيحية مع مصالح الكيان الصهيوني ظناً منهم أن نوايا العدوالإسرائيلي «صافية وبريئة» وأن هذه الأخيرة ستريحهم من الوجود والنفوذ الفلسطيني المسلح المتنامي وعلى رأسه أبوعمار، وظلت الأمور كذلك رغم المقاومة الشرسة للقوى الوطنية كحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي… حتى حدوث مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982 حيث أجبرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن «تساهال» (الجيش الإسرائيلي) على الانسحاب إلى الشريط الحدودي في الجنوب بعدما حقق هذا الأخير «غايته المعلنة» بطرد منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات إلى تونس مع الإبقاء على حوالى 400 ألف لاجئ فلسطيني من لون مذهبي واحد يعيشون في عدة مخيمات.
في السنة نفسها، تضيف المصادر تم تأسيس المقاومة الإسلامية المعروفة الآن باسم حزب الله بتمويل وتدريب ذاتي وبمباركة إيرانية. وسرعان ما أصبح الحزب رأس حربة لا بل الوحيد في مواجهة الإحتلال الصهيوني حتى الوصول إلى دحره عام 2000، لكن للأسف لم يمنح مجلس الأمن كما الأمم المتحدة حق ضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى الخريطة اللبنانية.
حسب آخر إحصاء لمنظمةUNRWA ، هناك حوالى 450 ألف لاجئ من الفلسطينيين في لبنان أغلبيتهم من الطائفة السنية (من الضروري التمييز بين الإسلام وبين الإسلاميين المتطرفين) يعيشون في مخيمات أبرزهم مخيم عين الحلوة. كما أنه حسب تقارير أمنية أجنبية هنالك حوالى 60 ألف مقاتل فلسطيني ينتمون إلى عدة فصائل يملكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وهذا يشكل تهديداً خطيراً على صيغة العيش المشترك في لبنان كما يشكل خطراً على مصالح الطائفة الشيعية وبالتحديد على حزب الله في ظل الصراع السنّي – الشيعي الدائر في المنطقة منذ عدة عقود، فلولا حزب الله وسلاحه بالإضافة إلى جهوزية وحكمة وقدرات الجيش اللبناني لكان بإمكان بعض الفلسطينيين الإسلاميين المسلحين إفتعال فتنة، فحرب، وفرض شروطهم على الدولة اللبنانية كالتجنيس مثلاً أوضرب لبنان في صميم وجوده أي العيش المشترك وإلغاء الديموقراطية التوافقية.
أضف إلى ذلك ،ا لمليون ونصف مليون نازح من السوريين هرباً من الحرب على سوريا وهم أيضاً وأيضاً من الطائفة السنية ،(واسمحوا لي مرة ثانية أن أميّز بين الإسلام والإسلاميين المتطرفين)، ويكمن الخطر في هذه الحالة أنه من الممكن لأي دولة عربية أوإقليمية من السعودية وصولاً إلى قطر مروراً بتركيا وربما دول غربية كالولايات المتحدة الأميركية أن تسلّح 50 إلى 100 ألف رجل من النازحين السوريين المتطرفين لإفتعال مشاكل مع الشيعة وبالتحديد مع حزب الله وربما فرض التوطين.
لا شك أنّ سنّة وشيعة لبنان وعلى رأسهم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري لديهم من الإعتدال والحكمة والرقيّ والوطنية ما يمنعهم من الوقوع في حروب بين السنّة والشيعة في لبنان وأكبر دليل على ذلك الاجتماعات المتتالية بين تيار المستقبل وحزب الله في عين التينة، ما ينعكس إيجاباً على القاعدة وعلى الساحة الداخلية.
وتؤكد المصادر ان في لبنان يوجد قنبلتين هما اللاجئون الفلسطينيون والنازحون السوريون، وفي علم السياسة فإن المجتمعات الناجحة قائمة على توازن القوى بين مختلف الأفرقاء ولبنان بحاجة إلى توازن في القوى خاصة بين الشيعة وعلى رأسها حزب الله، والأكثرية البشرية السنّية بوجود الفلسطينيين والسوريين، مع كل الاحترام والمحبة للمكون المعتدل في الطائفة السنّية، فالتطرف هوتخلف عقلي وجهل يصيب كل الطوائف في العالم كالمسيحيين والمسلمين واليهود…
أمّا بالنسبة للعدو الإسرائيلي فإنّ حزب الله واللبنانيين يطالبون باسترداد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا حتى لو بالقوة، وهنا يكمن الخطر الصهيوني حيث أي محاولة مشروعة لاسترداد هاتين المنطقتين اللبنانيتين المحتلتين ربما تجر إسرائيل إلى ارتكاب حماقة كبيرة بالإعتداء على لبنان.
لكن مع إنضمام حزب الله إلى نادي الكبار عسكرياً وأمنياً في منطقة الشرق الأوسط يمكن التاكيد ان وضع إسرائيل محرج، حيث أصبحت تدرك أن الإعتداء على بلاد الأرز ليس بنزهة خوفاً من القوة النارية والصاروخية ومقاتلي المقاومة الإسلامية والجيش اللبناني.
هنالك أيضاً ملف النفط والصراع القائم بين لبنان والعدو الإسرائيلي حول المياه الإقليمية للبنان ولفلسطين المحتلة وهنا أيضاً لبنان بحاجة إلى قوة حزب الله العسكرية والمعنوية لفرض شروط لبنان في هذا الملف الشائك. فمن يضمن ألاّ يعتدي الصهاينة على المياه الإقليمية اللبنانية وعلى منصات إستخراج النفط اللبناني في البحر كما اعتدت على مطار بيروت ودمرت كلياً 13 طائرة للميدل إيست في 28 كانون الأول 1968 لسبب تافه ولم يجرؤ أحد على محاسبتها ومساءلتها سوى الرئيس الفرنسي آنذاك الجنرال الراحل شارل ديغول فمنع تسليمها طائرات حربية متطورة جداً من نوع ميراج.
لولا التدخل السريع لحزب الله لمحاربة «داعش» وأخواتها ومؤازرة الجيش العربي السوري في حربه ضد التكفيريين الإرهابيين «لكانت «داعش» و«جبهة النصرة» وصلتا إلى جونيه حسب قول البطريرك الراعي وهو بطريرك الموارنة في لبنان وسائر المشرق وعلى اتصال دائم مع الفاتيكان.
نعم حزب الله والجيش اللبناني دافعا عن كل لبناني ولبنانية إن كانوا سنّة أو شيعة أو مسيحيين أو دروزاً …من وحوش وإرهاب «داعش» و«جبهة النصرة» ودفعوا ثمناً باهظاً جداً عبر إستشهاد عشرات العناصر من المقاومة ومن المؤسسة العسكرية.
أخيراً حيازة حزب الله للسلاح في الأوقات الحرجة كما الآن ضرورة وقبل الطلب منه تسليم سلاحه يجب الطلب من المجتمع الدولي بتطبيق القرار 194 (الصادر منذ حوالى 80 سنة) بإعادة الـ 450 ألف لاجئ فلسطيني إلى ديارهم، إعادة المليون ونصف مليون نازح سوري إلى وطنهم، إعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى لبنان وأخيراً إبرام إتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين على أساس الدولتين، تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين.