اعلان «الامارة الاسلامية» في لبنان وهم يعتري البعض من الذين سعوا اليها عبر تاريخ لبنان الحديث الذي اوجده الجنرال غورو «بشطحة قلم»، والذي دعا النائب وليد جنبلاط الى الحفاظ عليه في مرحلة الزلازل التي تضرب المنطقة من ادناها الى اقصاها، اما الاسباب التي تجعل استحالة تطبيق هذا الوهم تقول اوساط مواكبة، فهي كثيرة ومعظمها يعود الى التركيبة اللبنانية حيث تتعايش 19 طائفة منذ الاستقلال، وواهم من يظن ان اي مكون من المكونات يستطيع الغاء مكون آخر وفق التسلسل التاريخي «للطفرات» الاسلامية المتطرفة في كافة المراحل التي مرت بها الساحة المحلية.
في الاحداث اللبنانية حيث تناسلت الحروب بمختلف تلاوينها المذهبية والطائفية على وقع مخطط هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي في سبعينات القرن الماضي، كان حلم اقامة «امارة اسلامية» يراود البعض على حدّ قول الاوساط، متكلين على بندقية الثورة الفلسطينية، وكانوا لا يدركون ان الادارة الاميركية في تلك المرحلة كانت تعمل وفق قاعدة كيسنجر، «اما ان يكون لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين او مقبرة لهم» لان المشكلة وفق الرؤية الكيسنجرية هي «مشكلة شعب زائد»، وكانت النتيجة فشل المخطط المذكور وسقوط وهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمصادرة لبنان حتى اشعار آخر ومقايضة رحيله عنه بدولة فلسطينية.
وتضيف الاوساط ان الساحة المحلية لا تزال تعيش تداعيات الحروب العبثية بين اللبنانيين او بالاحرى حروب الآخرين على الارض اللبنانية اضافة الى مخلفات زمن الوصاية السورية التي خرجت من لبنان وعادت اليه من نافذة النزوح السوري الذي يسعى الغرب الى توطينه في لعبة الامم ومصالحها، واذا كانت بعض الاطراف اللبنانية لا توفر مناسبة للهجوم على دمشق والقيادة السورية كونها مارست تجاوزات لا تعد ولا تحصى، فانها مع اندلاع الحروب السورية شرّعت الحدود امام النزوح السوري الذي يحاول احتلال لبنان بعدما نقل معه تطرفاً مذهبياً لاقاه بعض من المتطرفين التكفيريين لاحياء حلم «الخلافة الاسلامية» التي اعلنها ابو بكر البغدادي والتي فضها وطعن بشرعيتها معظم ائمة السنة وحتى شيخ التكفير يوسف القرضاوي، فكيف يقيّض النجاح لاقامة «امارة اسلامية» سبق وان سقطت عدة مرات تحت ضربات الجيش اللبناني.
وتعدّد الاوساط الاسباب التي تجعل هذا الوهم مستحيلاً فمنها:
1- التركيبة المذهبية والطائفية اللبنانية، فسنة لبنان في غالبيتهم اهل اعتدال وانفتاح وان نسبة التكفيريين في صفوفهم لا تتعدى 10% في اقصى الحالات، بالاضافة الى ذلك مواقف بقية المسلمين من شيعة ودروز الذين يرفضون قطعياً اقامة «امارة اسلامية» تكفرهم جميعاً وتضعهم تحت حد السيف وكذلك المسيحيون الذين يعتبرون لبنان آخر معاقلهم في الشرق.
2- التركيبة السياسية للبنان كدولة ديمقراطية الى حدود الفوضى، فلبننان هو البلد الوحيد الذي يعتمد على نظام ديمقراطي توافقي في الوقت الذي تحيطه انظمة ديكتاتورية في المحيط.
3- المؤسسة العسكرية التي تعتبر الحاضنة الوطنية لكافة اللبنانيين والتي اثبتت قوتها في حمايتهم واستطاعت اسقاط امارة بسام الكنج الملقب ابو عائشة في جرود الضنية وامارة شاكر العبسي في نهر البارد، ووأدت امارة احمد الاسير قبل ان تبصر النور، اضافة الى الانجاز النوعي الذي حققه الجيش اللبناني في معارك الشمال في طرابلس وعكار ضد التكفيريين، ناهيك بعزل عرسال عن جرودها وتضييق الحصار على «النصرة» و«داعش» حيث يحاول التنظيمان الارهابيان استغلال ورقة العسكريين المخطوفين لديهما باستنزاف اهاليهم في سبيل تأمين ممر لهم يربطهم بعرسال او بالزبداني.